تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن نظر في النظم الاجتماعية الإسلامية، وكيف حثت على مكارم الأخلاق، ومحاسن العادات، وبر الوالدين وصلة الأرحام، وحسن الجوار، وحسن الصحبة، والمعاشرة بين الزوجين بالمعروف، والرحمة بالخلق، والرفق بهم، والتلطف معهم، والحرص على إيصال كل ما أمكن من الخير إليهم، ودفع كل ما أمكن من الشر عنهم، وأن يتآمروا بالمعروف، ويتناهوا عن المنكر، ويتعاونوا على البر والتقوى، ويتناهوا عن الإثم والعدوان، وأن يحب كل واحد منهم لإخوانه ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، ويأتيهم بمثل الذي يحب أن يأتوا به إليه، يدرك معنى التكريم الإنساني الذي ترنو الشريعة إلى تحقيقه، والذي يسمو في أبعاده عن مجرد حفظ حقوق الإنسان التي تضمنتها المواثيق والعهود الدولية.

سابعاً: أن حقوق الإنسان في الإسلام ليست وليدة رد فعل أو اعتراض على أوضاع سيئة، رأى العقلاء ضرورة تقرير هذه الحقوق والمطالبة بتطبيقها كما هو الحال في حقوق الإنسان التي قررها الغرب.

بل إن سبب وجودها هو الإنسان نفسه، وكرامته الإنسانية التي قررها الخالق سبحانه منذ خلق البشر، فمسألة وجودها في الشريعة الإسلامية أمر بدهي، وحفظها هو المقصود من الشريعة الإسلامية بجميع أحكامها وتشريعاتها، بل هو المقصود من كل الشرائع والرسالات السماوية، فهي ليست ردة فعل لانتهاكات قائمة، وليست استجابة لتوجيهات سلطة حاكمة، أو لمطالبة مؤسسة دولية أو محلية، كما أن إيجادها وحمايتها واجب شرعي لا يتوقف على اختيار الإنسان ورغبته في بذلها، ولا ينقص حقه منها إذا جهلها أو ترك المطالبة بها، كما أن الإسلام صاغ مجتمعه على أصول ومبادئ راسخة، تمكن لهذه الحقوق وتدعمها.

ثامناً: أن الإسلام سبق القوانين الوضعية والمواثيق الدولية في حفظ هذه الحقوق ورعايتها، وقرر ذلك جلياً قبل أكثر من أربعة عشر قرناً، في وقت كان العالم يغط في سبات عميق، ويخيم عليه الكثير من الجهل والتخلف، والظلم والتعسف، وما الوثائق والصكوك الدولية التي يتباهى بها الغرب حول حقوق الإنسان إلا وليدة هذه العصور الحديثة، وكان أهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي لم يصدر إلا في عام 1948م.

فقد كان للإسلام فضل السبق في تقرير هذه الحقوق وتأصيلها وتشريع الأحكام اللازمة لحفظها وحمايتها، وما الحقوق التي تضمنتها المواثيق والصكوك الدولية إلا تأكيد وترديد لبعض ما تضمنته الشريعة الإسلامية.

تاسعاً: تميزت حقوق الإنسان في الإسلام بغاية الوضوح، ولم تترك لمفاهيم عامة مبهمة، وجاءت النصوص الشرعية في القرآن الكريم والسنة النبوية محددة للحقوق، ومبينة وسائل حفظها، ومانعة من تجاهلها أو انتهاكها، ومرتبة عقوبات زاجرة لحفظها والمنع من كل اعتداء قد يقع عليها.

عاشراً: أن حقوق الإنسان في الإسلام تنبع من العقيدة الإسلامية القائمة على التوحيد، وإخلاص العبودية لله وحده، وتحرير العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وتحرير عقولهم من الشركيات والشعوذات والخرافات التي تعشعش في عقول الكثيرين من غير الموحدين، وتسيطر على أفكارهم وتصرفاتهم، وتجعلهم ألعوبة في أيدي أولئك الطواغيت والمخرفين والمشعوذين.

فمبدأ التوحيد القائم على شهادة أن لا إله إلا الله هو منطلق كل الحقوق والحريات، لأن الله تعالى الواحد الأحد الفرد الصمد خلق الناس أحراراً، ويريدهم أن يكونوا أحراراً، ويأمرهم بالمحافظة على الحقوق التي شرعها، والحرص على الالتزام بها، بل وكلفهم بالجهاد في سبيلها والدفاع عنها، ومنع الاعتداء عليها، وهذا ما تكرر في القرآن الكريم في آيات القتال والجهاد. فحقوق الإنسان في الإسلام تنبع من التكريم الإلهي للإنسان، والعبودية لله تعالى، وفطرة الله التي فطر الخلق عليها.

الحادي عشر: أن حقوق الإنسان في الإسلام شاملة لكل أنواع الحقوق الدينية والبدنية والمدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

كما أن هذه الحقوق عامة لكل الناس، دون تمييز بينهم بسبب اللون أو الجنس أو اللغة، وكلها قائمة على العدل والحكمة، والمصلحة والرحمة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير