الثاني عشر: أن حقوق الإنسان في الإسلام تقوم على التَّكامُل والتعاون بين الفرد والمجتمع، وبين الأفراد بعضهم مع بعض: الذَّكَر والأنثى، والكبير والصغير، والعالم والعامي، والغني والفقير، والحاكم والمحكوم، فكل له حقوق وعليه واجبات، وحياتهم يجب أن تقوم على التعاون والتكامل، والتراحم والتكافل، لا على الصراع والتنازع، والتناكر والتجاحد، فبعضهم يكمل بعضاً، ولا غنى لبعضهم عن بعض في حفظ مصالحهم وتأمين حاجاتهم.
فالإسلام لم يعالج قضية الحقوق كما عالجها الغرب، الذي ينطلق من ثقافة الصراع والتنازع، وأن الحقوق تنتزع ولا توهب، وتؤخذ ولا تمنح، فأشعلوا صراعاً مقيتاً بين الفرد والمجتمع، أو بين الرجل والمرأة أو بين غيرهما من الطبقات الاجتماعية المختلفة، وكأن حق أحدهما لا يمكن أن يتحقق إلا بإلغاء حقوق الآخر أو بخسها.
بينما جعل الإسلام هذه الحقوق واجبات شرعية تجب لبعضهم على بعض، فحقوق الزوجة واجبات على الزوج، وحقوق الزوج واجبات على الزوجة، وحقوق الوالدين واجبات على الأولاد، وحقوق الأولاد واجبات على الوالدين، وحقوق الجار أو الصاحب واجبات على جاره أو صاحبه، وحقوق الرعية واجبة على الراعي، وحقوق الراعي واجبة على الرعية، وحقوق المسلم واجبة على أخيه المسلم، وهكذا، ومن ثم تحولت منظومة الحقوق في الإسلام إلى منظومة عطاء وتراحم، وتعاون وتكافل، لا منظومة تناقض وتعارض، وصراع وتنازع. فالإسلام يجعل الحقوق واجبات شرعية يتعين على أصحابها أن يقوموا بها، كل بحسب مسؤولياته وقدراته، ويرفع الالتزام بها إلى مقام العبادة والواجب الشرعي الذي يثاب فاعله ويستحق العقاب تاركه، والإيمان بهذه الحقيقة جعل المسلمين أفراداً وجماعات يعظمون هذه الحقوق ويتسابقون إلى الوفاء بها، ويرجون من الله أجرها وذخرها، بينما غير المسلمين يرونها أعباء ثقيلة يتحينون الفرصة للتنصل منها والمطل بها.
الثالث عشر: حقوق الإنسان في الإسلام قطعية ثابتة لا تقبل التغيير والتبديل، أو الإلغاء والتعطيل، فهي من ثوابت الشريعة، ومسلمات الدين، ومصدرها من الله، الذي لا يظلم أحداً، ولا يحابي أحداً على حساب أحد.
وهذا هو الذي يضمن لها الاحترام والقبول، والعموم والشمول، والتوازن والاعتدال، وألا تطغى مصلحة على أخرى، أو تعتدي مجموعة من البشر على المجموعات الأخرى، بخلاف الاتفاقيات والصكوك الوضعية، التي تخضع لاجتهادات البشر وأمزجتهم، وتتغير بتغير مراكز القوى وصراع المصالح الشخصية والحزبية والقومية والتباينات الفكرية والثقافية، فليس لهذه القوانين الوضعية ما للأحكام الشرعية من العصمة والقدسية، والاحترام والتقدير، بل هي وثائق بشرية قابلة للتغيير والتعديل، غير مستعصية على الإلغاء والتعطيل، مهما جرى تحصينها بالوثائق والنصوص القانونية، وهاهي القيود التي فرضوها على دساتير دولهم لم تحمها من التعديل أو الإلغاء بالأغلبية. أما الدستور الإسلامي المستمد من الكتاب والسنة فإنه معصوم من الخطأ والزلل، سالم من التناقض والاضطراب، صالح لكل زمان ومكان وحال، محفوظ بحفظ الله له إلى قيام الساعة، قال الله تعالى:} إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون {[الحجر:9].
حقوق غير المسلمين في الإسلام:
غير المسلمين ينقسمون من حيث الجملة إلى قسمين:
1ـ محاربون.
2ـ مسالمون. وهم ينقسمون أيضاً إلى قسمين:
أـ الذميون الذين يعيشون داخل الدولة المسلمة ولهم حق المواطنة.
ب ـ المستأمنون, وهم المحاربون الذين أعطوا الأمان لدخول الدولة المسلمة إما لمصلحة دينية أو دنيوية.
وهؤلاء جميعاً سواء كانوا محاربين أو مسالمين لهم علينا خمسة حقوق:
الأول: حفظ كرامتهم الإنسانية، وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل.
ومن المحافظة على كرامة غير المسلمين حقهم في مراعاة مشاعرهم، والتأكيد على أن ديننا امتداد للأديان السماوية السابقة وأننا نؤمن بجميع الرسل والأنبياء والكتب السماوية التي يؤمنون بها.} آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون .... {
¥