الثاني: التعاون معهم على البر والتقوى وتحقيق المصالح الإنسانية النبيلة، فيما يحقق التعايش السلمي والأمن العالمي.} ولا يجرمنكم شنآن قوم .. {وفي صحيح البخاري في قصة صلح الحديبية: "والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها"، وقال: "شهدت حلف المطيبين مع عمومتي وأنا غلام فما أحب أن لي حمر النعم وأني أنكثه" رواه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم والألباني. قال في النهاية: "اجتمع بنو هاشم وبنو زهرة وتيم في دار ابن جدعان في الجاهلية وجعلوا طيبا في جفنة وغمسوا أيديهم فيه وتحالفوا على التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم فسموا المطيبين".
الثالث: تعريفهم بالإسلام وتأليف قلوبهم عليه، لأنه الدين الحق الذي ارتضاه لعباده ولا يقبل من أحد ديناً سواه. كما أن سعادة الإنسان وحفظ مصالحه في الدنيا والآخرة موقوفة على التدين به والتزامه.
الرابع: مجادلتهم بالتي هي أحسن، وإقناعهم بالحق بأدلة عقلية ومنطقية مقنعة، وبأسلوب لين ومعاملة حسنة.} ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن {،} ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن {،} اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا {، وقصة الرهط من اليهود.
الخامس: العدل معهم في كل الأمور وفي جميع الأحوال.
الإسلام هو دين العدل في كل أحكامه وتشريعاته، العدل مع كل أحد، وعلى كل حال، وفي كل شيء، فبالعدل قامت السموات والأرض، ولتحقيق العدل أرسلت الرسل وأنزلت الكتب، والله تعالى ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة. وقد أوجب العدل حتى في حال الحرب مع الكفار المحاربين، ونهى عن ظلمهم والعدوان عليهم:} ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا {، وقال:} يا أيها الذي آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون {.
ومما يؤكد أثر التعامل الإنساني من قبل المسلمين مع أهل الذمة، وشعورَهم بالعدل ورضاهم عن حكم المسلمين: قتالهم مع المسلمين ضد النصارى عندما جمع هرقل لغزو المسلمين في موقعة اليرموك، حيث قال نصارى حمص: "لولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم، ولندفعن جند هرقل عن المدينة مع عاملكم. ونهض اليهود فقالوا: والتوراةِ لا يدخل عامل هرقل مدينة حمص إلا أن نغلب أو نجهد" (26)
يقول نظمي لوقا: "ما أرى شريعة أدعى للإنصاف، ولا أنفى للإجحاف والعصبية من شريعة تقول:} ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا {فأي إنسان بعد هذا يُكرم نفسه وهو يدينها بمبدأ دون هذا المبدأ، أو يأخذها بدين أقل منه تسامياً واستقامة؟ ".
فإن كان غير المسلمين من المسالمين الذين بيننا وبينهم ذمة وعهد فإن الله شرع في التعامل معهم مرتبة فوق العدل، وهي مرتبة البر بهم والإحسان إليهم بكل قول جميل وفعل حميد، حفظاً لحقوقهم ووفاء بعهدهم وترغيباً لهم في الإسلام، وتأليفاً لقلوبهم عليه.
ـ والأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هي السلم والتعايش السلمي. فيجب أن نسالم من سالمنا، ونفي بالعهد لمن عاهدنا، ولا يجوز أن نقاتل إلا من قاتلنا أو منعنا من إقامة ديننا. ولا أدل على ذلك من إباحة نكاح نسائهم وأكل ذبائحهم، والبيع والشراء معهم، وإقرارهم على دينهم، وعدم إكراههم على الإسلام، وبقائهم بين ظهراني المسلمين، فهذا كله يدل على أن أصل العلاقة مع غير المسلمين هي السلم. والله تعالى لم يخلق هذا الإنسان الذي كرمه وفضله على كثير من خلقه لكي يقتل وتزهق روحه بغير حق. وكلام العلماء في تقرير هذه الحقيقة كثيرة معروفة. قال الله تعالى:} وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين {،} يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا {وليس لتتقاتلوا ويهلك بعضكم بعضاً.
فالعدل والقسط، والبر والإحسان، والتسامح والتعايش السلمي، والتعاون على البر والتقوى وعلى تحقيق المصالح الإنسانية المعتبرة هي العناوين الجامعة لكل الحقوق الإنسانية المشروعة لغير المسلمين على المسلمين، سواء أكانوا يعيشون داخل البلاد الإسلامية أو خارجها، وسواء أكانوا ذميين مستوطنين أو مقيمين أو سائحين أو مستأمنين.
... يتبع
¥