تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قَالَ: أَوَلَسْتُ بِالْوَلَدِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَهَلْ تَتَّهِمُونِي؟ قَالُوا: لا، قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي اسْتَنْفَرْتُ أَهْلَ عُكَاظَ، فَلَمَّا بَلَّحُوا عَلَيَّ جِئْتُكُمْ بِأَهْلِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّ هَذَا قَدْ عَرَضَ لَكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ، اقْبَلُوهَا وَدَعُونِي آتِهِ. قَالُوا: ائْتِهِ. فَأَتَاهُ، فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلٍ (2)، فَقَالَ عُرْوَةُ عِنْدَ ذَلِكَ: أَيْ مُحَمَّدُ! أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَأْصَلْتَ أَمْرَ قَوْمِكَ، هَلْ سَمِعْتَ بِأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَهْلَهُ قَبْلَكَ؟ وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى فَإِنِّي - وَاللَّهِ! - لا أرَى وُجُوهًا، وَإِنِّي لأَرَى أَشَوابًا- وفي رواية: أوباشا - مِنَ النَّاسِ، خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ.

فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: امْصُصْ بِبَظْرِ اللاتِ، أَنَحْنُ نَفِرُّ وَنَدَعُهُ؟

فَقَالَ عروة: مَنْ ذَا؟

قَالُوا: أَبُو بَكْرٍ!

قَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْلا يَدٌ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ بِهَا لأَجَبْتُكَ .. الحديث)).

و أخرج بعضه: أبو داوود (2765)، والنسائي في ((الكبرى)). كما في ((أطراف المزي)) (8/ 383). وغيرهما

فانظر – يرحمك الله من مُنصف – قول عروة لأبي بكر، فما منعه من الرد عليه وقد بالغ في عيب آلهتهم، إلا أنه كان أسير الإحسان المتقدم من أبي بكر له.

وقد ورد في رواية ابن إسحاق عن الزهري في هذا الحديث أن عروة قال لأبي بكر: ((لولا يد لم أجزك بها، ولكن هذه بها)) كأنه قال له: هذه الإساءة منك إلي آلهتنا قد استوفيت بها جميلك السابق عندي، فلم يبق لك حسنة تمنعني من الرد فى قابل إذا أسأت إلىَّ.

وأما من جفاك، وأساء إليك فما استودع يداً تمنعه من رد السيئة بمثلها و زيادة، لذلك كان طليقا لا يوقفه شئ.

وإذ الأمر كذلك، والوفاء سجيةٌ و خُلُقٌ، فما إعلم أحد – بعد والديً – له عليً يد مثل شيخنا الشيخ الإمام، حسنة الأيام، وريحانة بلاد الشام، أبى عبد الرحمن محمد ناصر (3) الدين الألبانى، ألبسه الله حُلل السعادة و كافأه بالحسني وزيادة، إذ الإطلاع علي كتبه كان فاتحة الخير العميم لي، و أبدأ الحديث أسوقه من أوًلِهِ.

ففي صيف عام (1395هـ) كنت أصلي الجمعة في مسجد ((عين الحياة))، وكان إمام إذ ذاك، الشيخ عبد الحميد كشك (4) –حفظه الله تعالي -، وكان تجار الكتب يعرضون ألواناً شتى من الكتب الدينية أمام المسجد، فكنت أطوف عليهم و أنتقي ما يعجبني عنوانه، فوقعت عيني يوما علي كتاب عنوانه ((صفة صلاة النبي صلي الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها)). تأليف محمد ناصر الدين الألبانى. فراقني اسمه. فتناولته بيدي، وقلبت صفحاته، ثم أرجعته إلي مكانه، لأنه كان باهظ الثمن لمثلي، وكان إذ ذاك بثلاثين قرشا!

و مضيت أتجول بين بائعي الكتب، فوقفت علي كتاب لطيف الحجم بعنوان (تلخيص صفة صلاة النبي صلي الله عليه وسلم)).ففرحت به فرحة طاغية، ولم تردد في شرائه وكان ثمنه خمسة قروش، ولم أشتري غيره، لأنه أتي علي كل ما في جيبى! ومن فرحتي و إغتباطي به قرأته و أنا أمشى في طريقي إلي مسكني مع خطورة هذا المسلك علي من يمشي في شوارع القاهرة، ولما أويت إلي غرفتي تصفحت الكتاب بإمعان، فوجدته يدق بعنف ما ورثته من الصلاة عن آبائي إذ أن كثيرا من هيئتها لا يمت إلي السنة بصلة،أ فندمت ندامة الكُسعِيِّ (5) اننى لم أشتر الأصل، وظللت أحلم بيوم الجمعة المقبل – و أدبِّر ثمن الكتاب طوال الأسبوع -، و أنا خائفٌ وجلٌ أن لا أجده عند البائع، و كنت أدعو الله أن يطيل في عمرى حتى أقراه، ومَنَّ الله علىَّ بشرائه فلما تصفحته؛ ألقيت الألواح، ولاح لي المصباح ُ من الصباح! وهزَّنى هزَّا عنيفاً، لكنه كان لطيفاً؛ مقدمته الرائعة الماتعة في وجوب اتباع السُّنة، ونبذ ما يخالفها تعظيماً لصاحبها صلي الله عليه وسلم، ثُمَّ نقوله الوافيه عن ائمة المسلمين،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير