لعل هذه تكون (الحقلة الثالثة والأخيرة) وبعدها من باب المذاكرة تتم الإجابة إن كان هناك استفسارات فيما يخص جزئيات في منهجية التحقيق وهي في الغالب تناسب المتوسطين والمنتهين.
الحلقة الأخيرة:
شروط النص المراد تحقيقه للمبتدئ أهمها:
1 ـ التخصص: يُفضل أن يعمل المحقق على تخصص يُجيده ويُحسن التعامل معه أو قريبا من ذلك، وعلى الأقل يعرف واحدا أو أكثر من أهل التخصص الذي يرغب العمل عليه، ليستشيرهم ويرجع إليهم في المعضلات. وكل ما كان المحقق مقتربا من التخصص كان أقرب للضبط والإتقان، فلا يتم معرفة الأعلام المشكوك في جهالتهم ولا الكلمات الغامضة إلا من خلال العمل في التخصص، لأن التخصص ورجاله هم المعيار في أن هذا العلم مشهور أو مغمور وهذه المفردة غامضة تحتاج إلى بيان أو هي واضحة يعرفها الجميع.
2 ـ عدد الأوراق يكون قليلا بمعنى: أقل من 15 ورقة، والورقة تعني صفحتين (وجه) وتسمى (أ)، و (ظهر) وتسمى (ب)، ولمعرفة هذا المصطلح افتح أي كتاب وامسك أي ورقة بيدك اليمنى وضعها بين إصبعيك السبابة والإبهام ورفرفها يمنة ويسرة هذه يقال لها ورقة واحدة ويسمها بعضهم (لوح)، فما كان من جهة السبابة يسمى (وجه) أو (أ) وما كان من جهة الإبهام يسمى (ظهر) أو (ب).
وغالب المجاميع من هذا النوع قليل الأوراق من ورقة واحدة إلى عشرين ورقة، ويراد بالمجاميع جمع مجموع والمجموع في عالم الكتب هو الكتاب الواحد يحوي بين دفتيه عدد من الكتب سواء لمؤلف واحد أو في تخصص واحد أو ملفقة لا علاقة بين بعضها، المهم أنها رسائل صغيرة لايمكن أن تُجلَّد كل رسالة لوحدها لأنه إذا تُركت دون تجليد كانت قابلة للضياع والتلف، وبعضهم يكون مجموعة فيه رسائل بالإمكان تجليدها مستقلة لكن ضيق ذات اليد يجعلهم يضعون عدة كتب في مجلد واحد.
3 ـ المقرر عند أهل هذا الشأن ـ أعني أهل تحقيق التراث ـ أن المحقق يبدأ بالأهم ثم المهم والأصول قبل الفروع والمتون قبل مختصراتها.
والذي أراه أن هذا الشرط يناسب المنتهين، أو أصحاب الدراسات الأكاديمية، أما المبتديء فالأنسب له أن يعمل على المهم قبل الأهم والفرع قبل الأصل ومختصر المتن قبل المتن. إلا إن كان المبتدئ يعمل تحت مظلة جهة تشرف عليه أو متخصص يراجع عمله فبالتالي تكون التبعة العلمية الكاملة على الجهة المسئولة أو الأستاذ المراجع. وبهذه الحالة يعامل المحقق معاملة المنتهين. فيلتزم بشرط (الأهم قبل المهم) كما هو مقرر في توصيات اللجنة التي تولت وضع مشروع أُسس تحقيق التراث العربي ومناهجه بدعوة من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم عام 1400هـ في بغداد.
4 ـ يُفضل اختيار رسالة صغيرة بخط المؤلف كي لا يحتاج المحقق لعناء المقابلة، شريطة أن يكون المخطوط واضح الخط سالما من السقط. والسقط يحدث كثيرا في المخطوطات مفككة الأوراق ولك أن تعرف هل في مخطوطك سقط أم لا عن طريق قراءة النص كاملا فنسق السياق يبين لك ذلك ولكنه ليس يقيني، أو عن طريق التعقيبة وهو أقوى أو عن طريق مقابلة النسخة بنسخ أخرى.
والتعقيبة وتسمى الوصلة وعند المغاربة يسمونها الرقاص، وهي كلمة أو أكثر تكون تحت آخر عبارة في ظهر الصفحة وهي الصفحة اليمنى عندما يكون الكتاب مفتوحا. ونفس كلمة التعقيبة تجدها في بداية وجه الصفحة. وهكذا.
استُخدمت التعقيبة غالبا بدل الترقيم ولتتابع الكلام ولسد الباب على من يقطع بعض أوراق الكتاب. وهناك أيضا ترقيم الكراريس وهذا الترقيم أقدم من التعقيبة وموقعه يكون في أعلى الصفحة اليسرى التي تسمى (أ) أو (وجه) قريب من الزاوية العلوية اليسرى.
5 ـ المخطوطات المتأخرة فلا يصح أن يبدأ المحقق المبتدئ بمخطوطات القرون المتقدمة. وما أكثر مخطوطات المتأخرين ذات الأوراق اليسيرة التي كتبت بخطوط مؤلفيها وواضحة غاية الوضوح ولم تُحقق بعد.
6 ـ أن يكون النص المراد تحقيقه نافعا مفيدا.
تسلسل عمل المحقق المبتدئ:
أولا: استحضار النية الصالحة في أن يُزيل المحقق عن نفسه الجهل وينفع الآخرين بنشر العلم والمعرفة. وضده التكثُّر والتعالم ليقال كذا وكذا.
¥