ثانيا: اختيار النص المراد تحقيقه: وهذا الاختيار ليس بالتشهي، إلا إن كان المحقق صاحب ثقافة موسوعية عالية. فهذا أمر آخر. وشروط الاختيار هي شروط النص المراد تحقيقه التي ذكرتها قبل قليل. ولابد الأخذ في عين الاعتبار أن طبيعة النص المراد تحقيقه تتحكم في بعض التفصيلات الجزئية. لذا يقولون لكل كتاب منهجيته الخاصة في التحقيق. فتنبه.
لكن قبل أن تقرر العمل على هذا المخطوط أو ذاك لا بد لك أن تبحث عن أمر في غاية الأهمية وهو: هل سَبق أن حُقِّقَ هذا العمل المخطوط أم لا؟ أو هل طبعت هذه الرسالة التي تبحث عنها أم لا؟ وما حال الطبعة فإن كان العمل سُبقت إليه فدعه وابحث عن مخطوط آخر، وإن وجدت أن هناك داعيا لإعادة نشر هذا المخطوط بتحقيق علمي فتوكل على الله ولكن لاتنس أن تذكر هذه التفاصيل في الدراسة التي تعدها بعد الانتهاء من التحقيق.
ولمعرفة هل مخطوطُك حقق أم لا أو طبع أم لا، عليك بمراجعة عدد من المصادر وانصحك أولا قراءة كتاب لطيف لأستاذنا (عصام الشنطي) بعنوان: أدوات تحقيق النصوص (المصادر العامة) الناشر مكتبة الأمام البخاري. ففيه تسلسل البحث في كتب المصادر العامة.
بعد أن تجد المخطوط واتفقنا أنه ذا أوراق يسيرة وكتب بخط مؤلفه أو إن تعذر وجود مخطوط بخط مؤلفه فعليك أن تحصي عدد نسخ مخطوطك ويكون ذلك عن طريق سؤال أهل الاختصاص ومراكز المخطوطات، والبحث في الأنترنت، والتكشيف في سي دي (خزانة التراث) وهو من إصدارات مركز الملك فيصل، ومطالعة كتاب بروكلمان (تاريخ الأدب العربي) والفهارس المتخصصة كالفهرس الشامل لآل البيت وغير ذلك من الخطوات التي تسلكها لمعرفة عدد نسخ مخطوطك في العالم ولاتنس التفتيش والتنقيب في بطون فهارس المكتبات الإلكترونية والورقية.
وملاحظة مهمة إن كنت تريد تحقيق مخطوط يتكون من عدة نسخ وبعد التكشيف تبين لك عددها وأماكن وجودها؛ قبل أن تطلب النسخ عليك قراءة فهارس المكتبات التي تتوفر فيها نسختك لتتعرف على معالم النسخة، فمثلا لو أنك أُخبرت أن نسخةً من مخطوطتك موجودة في مكتبة دار الكتب المصرية يتحتم عليك مطالعة فهارسهم للتعرف على وصف المخطوط لعله ناقص أو منسوب بالخطأ فلا تتكلف الطلب والانتظار، وإن لم تجد في فهارسهم ما يغنيك للحكم على المخطوط بإمكانك الاتصال بهم هاتفيا أو مراسلتهم أو غير ذلك من السُبل، فإن تبين لك أن المخطوط الذي عندهم مناسب لك تماما فما عليك إلا طلبه إما بمراسلتهم مباشرة والالتزام بشروطهم أو التواصل معهم عن طريق مراكز المخطوطات التي في بلدك أو تكلف من يزور بلادهم أن يلبي طلبك, وعندي أن مراسلتهم عن طريق مراكز المخطوطات أفضل وأنجع.
بعد عملية الاختيار وخطوات جمع النسخ أو العمل على نسخة واحدة نأتي إلى ثالثا: نسخ المخطوط: على المحقق أن يتولى هذا العمل بنفسه وينسخ المخطوط كلمة كلمة.
رابعا: إضاءة النص: يكون ذلك بترتيب فقرات النص ووضع علامات الترقيم. ثم إن كان العمل على عدة نسخ تقابل بين النسخ وتذكر الفروق المهمة فقط. أما إن كان العمل على نسخة واحدة بخط المؤلف فتنتقل إلى
خامسا وهو التعليق على النص: ويكون ذلك بأقصر عبارة وأوضحها والتعليق على النص مهارة خاصة.
المواضع التي يحتاج المحقق أن يتطفن لها وهي ضمن التعليق على النص:
أ ـ عزو الآيات بذكر اسم السورة ورقم الآية وهذا إما يكون في المتن بعد الآية تماما بين معقوفين صغيرين أو يوضع العزو في الحاشية، والأول هو المختار.
ب ـ تخريج الأحاديث: وهذا يوضع في الحاشية، فإن كان الحديث في النص مذكورا فيه الصحابي وإلا تذكره في الحاشية بقولك من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ثم تذكر الكتاب الأصلي الذي ورد فيه الحديث وموضعه في الكتاب ثم درجة الحديث من حيث القبول والرد. باستثناء الصحيحين. ونوع الكتاب يحكمك في طريقته فكتاب في التراث العلمي غير (جزء حديثي).
¥