التعليق على النص هو المحك في التحقيق، فمن خلاله تستطيع أن تعرف التحقيق العلمي من عدمه بنسبة كبيرة، وفي لحظة عابر تتصفح التعليقات في الهوامش فتستطيع تحديد مدرسة المحقق أيضا بنسبة كبيرة، وقد كتبت حول موضوع بعنوان (التعليق على النص ومدارسه) وذكروا أنهم استفادوا منه وإليك رابطه:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=213244
ولامانع من الإشارة هنا إلى مدارس التعليق على النص بإيجاز ثم الدخول في تفاصيل التعليق على النص وما يكتب في الحواشي:
مدارس التعليق على النص بحسب تصنيفي ثلاثة مدارس:
الأولى: مدرسة عدم التعليق: وهذه المدرسة يمثلها في الغالب أهل الاستشراق، ويميل إليها الدكتور صلاح الدين المنجد رحمه الله وغيره.
الثانية: مدرسة الإسهاب في التعليق: وهذه المدرسة تحب ملء الحاشية بما يناسب المتن، وهي ثلاثة فئات بحسب تصنيفي:
فئة أ: طبقة العلماء الذين يحبون نشر العلم في كل موضع يرد له مناسبة ويتلذذون في الإطالة ونفع الناس.
فئة ب: طبقة المبتدئ المتحمس الذي يريد أن يملء الحواشي بكل ما أوتي من علم، وهو بين التأثر بالعلماء الأعلام وبين استعراض ثقافته وسعة اطلاعه، كما ينعته البعض. وما يميزه أنه حريص كل الحرص على إتقان عمله فلا تفوته شاردة ولا واردة إلا علق عليها. وهذا الذي يفرقه عن الطبقة التالية.
فئة ج: طبقة أدعياء التحقيق، وهم الذين يتخبطون لا هم من العلماء ولاهم يفعلون فعل المبتدئ المتحمس، فتجد المحقق من هذه الفئة يملء الحواشي بالتعليقات المناسبة وغير المناسبة، وتجده يهمل بعض المفردات في المتن تستحق التعليق وتشم من خلال تعليقاته أنه يريد نفخ الكتاب ويريد أن يجعل لتحقيقه مبررا بأنه قدم الجديد المفيد.
الثالثة: مدرسة التعليق المقتضب: هذه المدرسة هي المختارة والمناسبة في رأيي، وهي التي يتمثلها الأستاذ عبد السلام هارون رحمه الله، وقاعدة التعليق مهارة وبراعة وحاول تعلق تعليق ما يخرش المية.
بمعنى أنك لا تكتب كلاما في الحاشية يستقيم المعنى أو يحصل المراد بحذفه.
نأتي إلى مسائل حول بالتعليق:
أولا: فروق النسخ: من المعلوم أن المحقق عندما يحقق على نسخة وحيدة، أنه يسلم من عناء المقابلة، لكنه ما أن تأتيه كلمة غير واضحة إلا وتمنى أن لديه العديد من النسخ، ولكن بعض المحققين يكون موفقا فالمخطوطة التي بين يديه واضحة جدا وكتبت بخط مصنفها فلا يحتاج إلى نسخة أخرى.
أما إذا كان النص المراد تحقيقه يتكون من عدة نسخ، وكان المحقق قدر رجح الأصل أو الأم، ثم فرغ من ضبط النص والتعليق عليه يأتي بعد ذلك المقابلة وبعضهم يقدم المقابلة قبل التعليق على النص، وهو خيار يعود إلى الظروف والأحوال التي تناسب النص والمحقق.
وحال المحققين مع الفروق ومكانها في الحواشي على عدة ضروب:
1 ـ دمج الفروق مع التعليقات وهذا الذي عليه الأكثر.
2 ـ وضع حاشية مستقلة للفروق في نفس الصفحة ثم يليها أخرى للتعليقات بينهما خط فاصل.
3 ـ وضع الفروق في آخر الكتاب والحاشية للتعليقات.
4 ـ وضع الفروق والتعليقات في آخر الكتاب.
كيف يتعامل المحقق مع فروق النسخ؟
هناك مدرستان:
1 ـ لا تذكر من الفروق إلا المهم فقط، وتعتمد على ما في الأصل أو الأم، وما زاد على الأصل في النسخ الأخرى إن كان مهما وضعته في المتن بين معقوفتين وأشرت إليه في الحاشية، وإن كان غير مهم لم تذكره البتة.
ومن الفروق غير المهمة مثلا عبارة (غفر الله له) وفي النسخ الأخرى عبارة (رحمه الله)!!!. أو عبد الله بن عباس رضي الله عنه، وفي النسخ الأخرى (رضي الله عنهما) مثل هذه الفروق وغيرها كثير يكتب الأصوب الذي يرتضيه مؤلفه ويناسبه بدون إشارة، لأن كثرت أرقام الحواشي في المتن تشوش على المستفيد من غير طائل ولا نفع يذكر.
فعل المحقق الجاد الاهتمام في الأمر، فليس المقصود تسويد الصفحات أو شحن الحواشي بأي شيء، بل لا يُكتب إلا المفيد النافع للقارئ مما يخدم النص فقط.
2 ـ ذكر جميع الفروق، وبعضهم يبالغ حتى الحرف الواحد إذا كان مختلفا ذكره.
وأذكر أن أحد المحققين عرض علي عمله وكان قد كتب ما يلي: (إلى) في الأصل (للى).
¥