أعدَى عَدوِّكَ أدنى منْ وثَقتَ بهِ
فحاذِرِ الناسَ واصحبهمْ على دَخَلِ
فإنَّما رجلُ الدُّنيا وواحدُها
مَنْ لا يُعوِّلُ في الدُّنيا على رَجُلِ
وحُسنُ ظنِّكَ بالأيامِ مَعْجِزةٌ
فظُنَّ شرّاً وكُنْ منها على وَجَلِ
غاضَ الوفاءُ وفاضَ الغدرُ وانفرجتْ
مسافةُ الخُلْفِ بينَ القَولِ والعملِ
وشانَ صِدْقَكَ بينَ الناسِ كذبُهُمُ
وهلْ يُطابَقُ مُعوَجٌّ بمُعتدلِ
إنْ كانَ ينجمُ شيءٌ في ثَباتهمِ
على العُهودِ فسَبقُ السَّيفِ للعَذَلِ
يا وارِداً سُؤرَ عيشٍ كلُّهُ كّدّرٌ
أنفقتَ صَفوَكَ في أيامِكَ الأولِ
فيمَ اقتحامُكَ لُجَّ البحرِ تركبُهُ
وأنتَ تكفيكَ منهُ مُصَّةُ الوَشَلِ
مُلكُ القناعةِ لا يُخشى عليه ولا
يحتاجُ فيه إلى الأنصارِ والخَوَلِ
ترجو البقاءَ بدارٍ لا ثباتَ لها
فهلْ سمعتَ بظلٍّ غيرِ مُنتقلِ
ويا خبيراً على الأسرارِ مُطَّلعاً
اصمت ففي الصَّمتِ منجاةٌ من الزَّلّلِ
قد رشَّحوكَ لأمرٍ إنْ فطِنتَ لهُ
فاربأْ بنفسِكَ أنْ تَرعى معَ الهَمَلِ
وخيُر مالِ الفتى مالٌ يَصونُ بهِ
عِرضاً وينفُقُهُ في صالحِ العَمَلِ
وأفضلُ البرِّ ما لا منَّ يَتبعه
ولا تَقَدَّمَهُ شيء من المَطَلِ
وإنما الجودُ بذلٌ لم تُكافَ بهِ
صُنعاً ولم تنتظرْ فيه جزا رجلِ
إن الصنائعَ أطواق إذا شُكرتْ
وإن كُفِرنَ فأغلالٌ لمُنتحلِ
ذو اللؤمِ يَحْصَرُ مهما جئتَ تسألُهُ
شيئاً ويُحصرُ نطقُ الحرِّ إن يَسَلِ
وإن فوتَ الذي تَهوى لأهونُ منْ
إدراكِهِ بلئيمٍ غيرِ مُحتفلِ
وإن عندي الخَطا في الجودِ أحسنُ من
إصابةٍ حصلتْ بالمنعِ والبُخلِ
خيرٌ من الخير مُسديهِ إليكَ كما
شرٌ من الشَّرِّ أهلُ الشَّرِّ والدَّخَلِ
ظواهرُ العُتبِ للإخوانِ أحسنُ من
بواطنِ الحقدِ في التسديدِ للخلَلِ
داوِ الجهولَ وسامحهُ تُكِدْهُ ولا
تَصحبْ سوى السمح واحذرْ سقطةَ العَجَلِ
لا تشربنّ نقيعَ السُّمِّ مُتّكلاً
على عقاقيرَ قدْ جُرِّبنَ بالعملِ
والقَ الأحبَّةَ والإخوانَ إن قطعوا
حبلَ الوَدادِ بحبلٍ منكَ متَّصلِ
وأعجزُ الناسِ منْ قد ضاعَ من يدهِ
صديقُ وُدٍّ فلمْ يَرْدُدْهُ بالحِيَلِ
استصفِ خِلَّك واستخصلهُ أحسنَ من
تبديلِ خِلٍّ وكيفَ الأمنُ بالبَدَلِ؟
واحملْ ثلاثَ خِصالٍ من مطالبهِ
تحفظهُ فيها ودعْ ما شئتَهُ وقُلِ
ظُلمُ الدَّلالِ وظُلمُ الغَيظِ فاعفهِما
وظُلمُ هفوتِهِ فاقسِط ولا تَمِلِ
وكُنْ مع الخَلْقِ ما كانوا لخالقِهِمْ
واحذرْ مُعاشرةَ الأوغادِ والسَّفَلِ
واخشَ الأذى عندَ إكرامِ اللئيم كما
تخشى الأذى إن أهنتَ الحُرَّ في حَفَلِ
والغدرُ في الناسِ طبعٌ لا تثِقْ بهمُ
وإنْ أبيتَ فخُذْ في الأمنِ والوَجَلِ
سَلِ التَّجاربَ وانظرْ في مراءتَها
فللعواقبِ فيها أشرفُ المُثُلِ
وخيرُ ما جرَّبته النفسُ ما اتَّعظتْ
عن الوقوعِ به في العجزِ والوَكَلِ
فاصبرْ لواحدةٍ تأمنْ توابِعها
فربَّما ضِقتَ ذَرعاً منه في النَّزّلِ
وللأمورِ وللأعمالِ عاقبةٌ
فاخشَ الجَزا بَغتةً واحذرهُ عن مَهَلِ
ذو العقلِ يتركُ ما يهوى لخشيتِهِ
من العلاجِ بمكروهٍ من الخَلَلِ
مِنَ المروءةِ ترك المرءِ شَهوتَهُ
لأيّهِنا آثرتَ فاحتمل
استَحي من ذمِّ مَنْ يدنُ تُوسعُهُ
مَدحاً ومن مَدْحِ منْ غابَ ترتذلِ
شرُّ الورى بمساوي الناس مشتغلٌ
مثلُ الذبابِ يُراعي موضعَ العِلَلِ
لو كنتَ كالقدحِ في التقويمِ معتدلاً
لقالتِ الناسُ هذا غيرَ معتدلِ
لا يظلمُ الحرَّ إلا منْ يطاولُهُ
ويظلِمُ النَّذلُ أدنى منهُ في الصُّوَل
يا ظالماً جارَ فيمنْ لا نصيرَ لهُ
إلا المهيمنُ لا تغترَّ بالمَهَلِ
غداً تموتُ ويقضي الله بينكما
بحكمةِ الحقِّ لا بالزيغ والمَيَلِ
وإن أولى الوَرَى بالعفو قدرُهُمُ
على العقوبةِ إنْ يظفر بذي زَلَلِ
والحِلْمُ طبعٌ فما كسبٌ يجودُ به
لقولِهِ (خُلقَ الإنسانُ من عَجَلِ)
ابن زيدون:
ما على ظنيَ باسُ
يجرح الدهر وياسو
ولقد يُنجيك إغفا
لٌ ويرديك احتراس
والمحاذير سهام
والمقادير قياس
ولكم أجدى قعودٌ
ولكم أكدى التماس
وكذا الدهر إذا ما
عزَّ ناسٌ ذل ناس
وبنو الأيام أخيا
ف: سَراةٌ وخِساس
نلبَسُ الدنيا ولكنْ
متعةٌ ذاك اللباس
صالح عبد القدوس
ذهبَ الشبابُ فما له منْ عودةٍ
وأتَى المشيبُ فأينَ منهُ المَهربُ
دَعْ عنكَ ما قد كانَ في زمنِ الصِّبا
واذكُر ذنوبَكَ وابِكها يا مُذنبُ
واذكرْ مناقشةَ الحسابِ فإنه
¥