تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وجوهٌ عدةٌ، كما أخرج ابن سعد من طريق عكرمة عن ابن عباس: أن علي بن أبي طالب أرسله إلى الخوارج، فقال: "اذهب إليهم فخاصمهم ولا تحاجَّهم بالقرآن؛ فإنه ذو وجوه، ولكن خاصمهم بالسنة". وأخرج من وجه آخر أن ابن عباس قال له: يا أمير المؤمنين، فأنا أعلَمُ بكتاب الله منهم؛ في بيوتنا نزل. قال: صدقت، ولكن القرآن حَمَّال ذو وجوهٍ، تقول ويقولون، ولكن خاصمهم بالسُّنن؛ فإنهم لن يجدوا عنها مَحِيصاً. فخرج إليهم فخاصمهم بالسنن، فلم تبق بأيديهم حجَّة".

وقد جعل بعضُ العلماء ذلك من أنواع معجزات القرآن، حيث كانت الكلمةُ الواحدةُ تنصرف إلى عشرة أوجه وأكثر وأقلَّ، ولا يوجد ذلك في كلام البشر؛ فقد يشتبه على الإنسان اختلافُ بعض الصحابة بحَمْلِ بعض الألفاظ على تأويل آيةٍ ويخالفه الآخر ونحو ذلك، وهذا كلُّه يُحْمَل على باب التنوُّع، ولا يُحْمَل على المخالفة.

اختلاف المفسرين

والخلاف في التفسير على نوعين: خلاف تنوُّع – و – خلاف تضاد

والخلاف المروي عن المفسرين جُلُّه هو من خلاف التنوع، لا من خلاف التَّضادَّ، كما نصَّ عليه سفيان الثوري، وابن قتيبة في "تأويل مشكل القرآن" والشاطبي في "الموافقات"، وابن تيمية في مواضع.

والخلاف في التفسير قليل جداً في الصحابة، كثيرٌ في التابعين، وفي أتباعهم أكثرُ؛ لأنه كُلَّما قلَّ التمكُّن من لغة القرآن وفهم معنى ألفاظه المنزَّل بها، احتيج لتفسيره بالمرادف أو القريب منه، وكلَّما توسع المفسِّر في هذا، ظهر معه الخطأ.

واختلاف التنوع هو أن يكون لفظ الآية محتمِلاً لجميع المعاني المفسِّرة، والاختلاف في العبارة مع اتفاق في المعنى.

وخلاف التنوُّع ينبغي ألا يحكى خلافاً هكذا؛ بل يقال: إن هذا من اختلاف التنوُّع والوجوه التي جاء المعنى فيها بكلام الله، ولذلك يَسْهُل على الإنسان إِنْ تَبَصَّر بهِذا الأصل أن يجمع ويُوَفِّق، وألا يُضَعِّف بعض الوجوه من النوع الواحد، أو يرجح بعضها على بعض؛ لأن كلها تحمل على الحق المقصود من كلام الله.

ولما كان كثير من التفسير من اختلاف التنوع، تساهل العلماءُ بالرواية عَنْ الضعفاء؛ لأن الأصل الأصيل والمقصِدَ العليَّ من النقد والتعليل خَوْفَ ورود شيءٍ من المعاني المنكرة، والتي تخالف الأصول الثابتة، ولأنَّ تفاسيرهم لا تخرج عن الوجوه المشروعة، واعتمادهم كلَّه على لغة العرب.

وإعمال منهج النُقَّاد في أحاديث الأحكام بقواعده وأصوله وتشدده، على أحاديث التفسير قصورٌ، إذ إن المقصود من نقد الحديث سلامته من الدخيل فيه، والقرآن ليس كذلك، فهو محفوظ لقوله: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).

أسباب التسامح بالرواية عن الضعفاء في التفسير

وفي أبواب التفسير ثمة قرائنُ عِدَّة تسامحوا لأجلها في رواية التفسير وكتابته:

القرينة الأولى: أن المصنفات أو المرويات عن الصحابة والتابعين إنما هي كتبٌ يروونها عن بعض، وليست محفوظات تُحْفَظ في الصدور، ولذلك فإن أقلَّ المحفوظات في الأبواب في الشرع هي في التفسير، فكان ثمة نُسَخٌ تُروى، واشتهرت؛ كتفسير علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وتفسير عطيةَ العوفي عنه، وتفسير السُّدي عن أشياخه، وتفسير قتادة الذي يرويه عنه معمر بن راشد وسعيد بن أبي عروبة، وتفسير الضَّحاك بن مُزاحم، وكذلك تفسير مجاهد بن جَبْر الذي يرويه عنه القاسم بن أبي بَزَّة وغيرهم. وهذه الصحف تُروى وتُحْمل إن كان الراوي لها ليس متهمًا بالكذب؛ لأنه يحمل على أنه يُحدِّث من هذه الصحف؛ فالأئمة يُطلقون القول بتضعيف الراوي، ويريدون بذلك - غالباً - رواياتِه في الأحكام في الحلال والحرام، وعند العمل والاحتجاج يفرِّقون؛ لأن الأحكام هي المقصودة من الجرح والتعديل، لذا روى الخطيب في "الجامع" عن يحيى بن سعيد قال: تساهلوا في أخذ التفسير عن قوم لا يوثِّقونهم في الحديث، ثم ذكر ليثَ بن أبي سُلَيْم وجُوَيبِر بن سعيد والضَّحاك ومحمد بن السائب، وقال: هؤلاء لا يُحْمَد أمرُهم، ويكتب التفسيرُ عنهم.

وقد يَلْتَبِس على الناظر هذا الأمر، ويختلط عليه من وجهين:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير