تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن أكثر التابعين روايةً للإسرائيليات: السُّدي، ومحمد بن كعب القرظي، وسعيد بن جبير وأبو العالية رفيع بن مهران؛ فإنهم من المكثرين في الرواية عن أهل الكتاب، ويوجد شيئٌ يسير عند مجاهد بن جبر كما قال أبو بكر بن عياش:" قلت للأعمش: قال ما هذه المخالفة في تفسير مجاهد بن جبر؟ فقال: إنه يأخذ شيئاً من أهل الكتاب ".

فما هو الموقف من هذه المرويات؟

يقال: إن من الغلط طرح هذه الروايات؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يطرحها، وقد جاء عند ابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم استمع لبعض أقوال عبد الله بن سلام رضي الله عنه في ما يجده في التوراة منها ساعة الجمعة، ومنها بعض القصص مما قد اعتمد عليه بعض الصحابة، كما جاء في تأويل قصة سليمان مع الجن، وغيره مما لم يأتِ فيه نص في كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا حَرَجَ).

أقسام الإسرائيليات

والإسرائيليات على ثلاثة أنواع:

1 - ما وافق كلام الله أو كلام نبيه، فهذا صحيح، ويصدق، ولا حرج من نقله على الإطلاق والاحتجاج به، وكان الصحابة عليهم رضوان الله تعالى يقبلون ما وافق كلام الله منه، وإن كان وجهاً من الوجوه، فقد روى ابن جرير الطبري من حديث سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: قابل علي بن أبي طالب رجلاً من اليهود، فقال له علي بن أبي طالب: أين النار؟ فقال: في البحر، فقال علي بن أبي طالب: ما أراه إلا صادقًا فإن الله جلا وعلا يقول: (وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ) [التكوير:6]؛ فهو قد صدَّقه؛ لأنه قد وافق كلام الله تعالى من وجه، فَقَبِلَهُ وإن كان اللفظ عامًا في البحار أنها تُسَجَّر يوم القيامة؛ فالبحار أين تكون؟ وهل المقصود هذه البحار.

2 - ما عارض شيئًا من النصوص، أو كان شاذًا مُنْكرًا لا يستقيم مع الأصول الثابتة، والمقاصد الكلية؛ فإنه يُرَد وهذا فيه شيء ليس بالقليل من الإسرائيليات.

وقد ذكر كثير من المفسرين في تفسير كثير من الآيات ما لا يليق ذكره ولا نقله، ومن ذلك ما جاء في قصة سليمان عليه السلام:َأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ [ص:34] جاء في تفسيره من الإسرائيليات أن سليمان قد وضع خاتمه وأعطاه الجرادة، وكانت زوجته جرادة فأُعطيها ثم دخل الحمام، فَتَلَبَّس إبليس بصورة سليمان، وأخذ الخاتم من الجرادة، فتَحَكم في الناس، فخرج سليمان إلى الجرادة، وقال: أين خاتمي؟ أنا سليمان. قالت له: لستَ سليمانَ. فتحكَّم الشيطان في الناس حتى كان يأتي نساءَ سليمان! وأخذ سليمانُ يعرِض نفسه على الناس فترة حتى رُمي بالحجارة؛ فعمل على البحر يصيد الأسماك حتى لما شكُّوا بصنيع سليمان والشيطان ذهبوا إلى أزواجه، وقالوا: ما تُنكرون من سليمان؟ قالوا: نستنكرُ منه أنه كان لا يأتينا ونحن حُيَّض وإنه يأتينا الآن ... إلى آخر القصة بطولها. وهذا مما يستنكر.

والاستنكار ينبغي أن يكون بالنظر إلى الأصول والنصوص صريحة، لا بمجرَّد الذوق؛ لأن العقل لا يعارَضُ بالنصوص لقصوره وضعفه، وإن كان تصديق تلك المرويات من جهة الواقع محالٌ، لكنها قد تكون من باب المعجزات، فقد يثبت من أخبار الأمم السابقة والأنبياء ما يستغربه العقل المجرد لقصوره، فربما تجاسر على مثل هذه النصوص فردها وأنكرها من غير تثبت ونظر؛ ومن ذلك ما رواه البخاري في قصة موسى عليه الصلاة والسلام عند قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا) [الأحزاب:69] وذلك أنهم قد اتَّهموا في جسده فكان موسى عليه الصلاة والسلام حييًا ستيرًا، فلا يخرج من جسده، شيء عند غسله وذلك لشدة حيائه، فقالوا: ما يستَتِر هذا التستُّر إلا من عيب بجلده: إما برصٌ، وإما أُدْرَةٌ، وإما آفةٌ.

ثم ذهب ليغتسل، فوضع ثيابه على حجر؛ فلما فرغ من غسله ذهب إلى لباسه فهرب الحجر بلِبِاَسِهِ؛ فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر، ويقول: ثوبي حجر ثوبي حجر ثوبي حجر، حتى رآه بنوا إسرائيل على أجمل هيئة؛ فبرَّأه الله عز وجل مما قالوا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فأخذ يضرب موسى الحجر وإِنَّ بِالْحَجَرِ لَنَدَبًا مِنْ أَثَرِ ضَرْبِهِ ثَلاثًا أَوْ أَرْبَعًا ". وهذا مما قد يستنكره الإنسان في الظاهر، ولكن يقال: إن هذا مِن باب الإعجاز الذي أجراه الله عز وجل لنبيِّه موسى عليه الصلاة والسلام.

ومع ذلك، فلا ينبغي التساهلُ في الإسرائيليات والحكايات، منها؛ فعمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لأُبي بن كعب وقد كان يحدث عنهم: " لتتركن الأحاديث أو لألحقنك بأرض القردة "؛ ومقصد عمر عدمُ التوسُّع لا مطلق الحكاية، وإلا فعمرُ ممن يسأل عن أخبار بني إسرائيل، فقد سأل أبيّاً، فقال: ما أول شيءٍ ابتدأه مِنْ خلقه؟

3 - ما لم يأت في مخالفته نصٌّ، ولا يعارض نصًا في كلام الله تعالى، وكلام النبي ?، ولا يخالف إجماعًا؛ فهذا لا حرج في حكايته على أيِّ وجهٍ؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج).

والله أعلم، وصلى اللهم وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير