رابعاً: إن هذا السبب هو قاصمة الظهر لبحث الدكتور بشار المعروف، فإنه أخذ بما هو شائع مظنون خطأً، وهو اعتبار الإمام الطبراني حنبلي المذهب وليس حنفياً، وهذا التسليم بما هو معروف وشائع دون بحث ونظر لما يوجب النظر والبحث، يدل على أن الباحث يخالف منهج البحث العلمي، ولا يستقصي الحقيقة، وهذا بالمجمل منهج غير المنصفين.
فالنظر إلى كل مًّحدث على أنه حنبلي المذهب، هو قياس للأمور قياساً عاماً خاطئاً. والتسليم بما هو شائع خطأً دون نظرْ وتمحيص لما يُوجبُ النظر والتمحيص، كما هو حال صاحبنا الإمام الطبراني يُعدّّ كسل ذهني وعجز عقلي، أو هو تحيز وعدم إنصاف لا يليق بالباحث والدارس. فقد ذكر المحقق في (مقدمة التفسير الكبير) تحت عنوان: (مذهب الإمام الطبراني وعقيدته) ما نصه: ربما يقع البعض في الخطأ عندما يقيسون الأمور قياساً عاماً، وينظرون إلى كل محدًّث على أنه حنبلي المذهب، ومن ذلك نظرتهم لمذهب الإمام الطبراني رحمه الله، حيث نجد أن البعض يدرجه في تراجم الحنابلة وطبقاتهم، فنقف عند هذا الملحظ لنصحح الرأي فيه، مع أن الأمر سيان، حيث إنه لا يؤثر مذهب الفقيه أو المفسر أو المحدًّث في التعامل مع فكره في الرأي والفقه، ولكن للضرورة العلمية ومن خلال دراستنا لكتابه التفسير الكبير، نجد أن الإمام الطبراني حنفي المذهب، متوازن الرأي منصف للآخر، بل إن الإمام الطبراني فضلاً عن وضوح آرائه في الاتجاه الحنفي، فإنه من الناحية التاريخية لم يكن حنبلياً أيضاً كما تشير الدراسات إلى ذلك وكما يأتي:
1.أن الإمام الطبراني قضى أكثر من نصف حياته المباركة في أصفهان بلد العلم والعرفان. ومدينة أصفهان (كانت من القرون الأولى الإسلامية مهاجرة العلماء لطلب الحديث، ومحط رحالهم، حتى كانت تضاهي بغداد في العلو والكثرة كما قال السخاوي) ().
2.أن مذهب أهل أصفهان بين الشافعية والحنفية، فبعد فتحها سنة (21) للهجرة وانتشار الإسلام في أهلها، استقام أمرهم على السُّنة، ويغلب عليهم المذهب الشافعي والحنفي، ويتولى زعامة الشافعية فيها أسرة الخجنديين، وزعامة الأحناف أسرة الصاعديين، وعلى هذا فإن الرأي العام في أصفهان مستقر بتفاهم الشافعية والأحناف ما لم يكدر عليهم أحد كما حصل في فتنة المغول حين استغلوا الخلاف بين المذهبين وأضعفوهما ().
3.لم يغير أهل أصفهان مذهبهم حتى زمن الشاه إسماعيل سنة (906) هجرية وعلى هذا كان الإمام الطبراني يعيش أجواء طلب العلم والانفتاح على الرأي الآخر من مذاهب أهل السنة، ويدور فقهياً كغيره في دائرة الشافعية أو الأحناف، ولولا موقفه في التفسير بنسبة الرأي الذي يتبناه إلى الأحناف لَما علم مذهبه.
4.انسجم الإمام الطبراني مع مناخ أصفهان الفكري والفقهي، فنجد عامل أصفهان أبو علي بن أحمد بن محمد بن رستم الذي شغفه حب العلماء يستقبل الطبراني عند قدومه المرة الثانية سنة (310) هجرية (ويسهل له البقاء بأصبهان، فيكرمه بتعيين معونة معلومة يقبضها من دار الخراج، وتستمر حتى حين وفاته بها) ().
5.لم يصرح الإمام الطبراني بمذهبه الفقهي كغيره من علماء زمانه، إلا للضرورة البحثية كما في التفسير، فمذهب أصفهان السائد في ذاك الوقت بل في إيران مذهب الشافعية والأحناف من أهل السنة ()، فتبنى مذهب الأحناف على ما يترجح عنده بالدليل، حيث لا نجده يتعصب لرأي، بل يسلك منهج العلماء في تبنيه المذهب والجواب على مسائل الشافعية، وهو ما نجده واضحاً في تفسيره عند التعامل مع الرأي الآخر بهدوء وموضوعية.
يُعدُّ الإمام الطبراني من كبار علماء أصفهان، وإليه ينتهي العلم في الحديث، وأنه يسير على منهج أهل زمانه فقهاً وعلماً ولا يبتدع. وعلى هذا فإن الإمام الطبراني حنفي المذهب من أهل السنة والجماعة محدًّث بارع ومفسر، بارك الله له في عمره وجعل خاتمة أعماله على ما يبدو لنا هذا السفر الكبير في تفسير القرآن العظيم.
(انتهى قول المحقق باختصار). وحين الرجوع إلى معجم مصنفات الحنابلة للإستاذ الدكتور عبدالله بن محمد بن أحمد الطريقي الجزء الأول والطبعة الأولى م2001 في ترجمة (ابي القاسم الطبراني 260 - 360هـ) وذكر مصنفاته ومنها ص () 356 التفسير - مخطوط. في ستراسبورغ بفرنسا تحت رقم (4174) في (532) ورقة.
¥