ـ[محمد العبادي]ــــــــ[08 Nov 2008, 08:54 ص]ـ
وعندنا في الملتقى عدد من المشايخ الأفاضل من طلابه، فلعلهم يشاركوا إكراما لشيخهم، ووفاء بشيء من حقه عليهم.
أثرت الشجى أبا سفيان للمدينة وأهلها!!
فكيف وقد ذكرت قرة عيني وتاج رأسي سيدي وشيخي الفاضل (سيد) الذي يسميه بعض أقرانه (سيد القراء) ..
يقولون إن الطالب معجب دائما بشيخه ..
لكن لو تعدد المشايخ فحق لمن فاق أن يُذكر ويُشهر.
ما عرفته -حفظه الله وأمتع به- إلا قدوة لمن لقيه: علما وحلما وتقى وصلاحا.
تعلو وجهه وضاءة الإيمان، وتكسو محياه هيبة القرآن، كلما سمعت أو قرأت قول ابن مسعود رضي الله عنه (1) لاحت صورته أمام ناظري، فما رأيت فيمن رأيت أحدا فيه هذه الصفات غيره.
كان يربينا بسَمته وحزمه، لا يتكلم إلا قليلا، وإذا تكلم أوجز وأوضح.
كل وقته مشغول بالقرآن، ولم يكن يتغيب عن مجلس الإقراء إلا أن يكون مسافرا.
وكان لا يأخذ على القرآن شيئا، بل كان يرد الهدية إذا جاءته من طلابه، ويقوم لحاجته بنفسه.
وكان يدير حلقته بطريقة منظمة، يتقدم فيها من سبق أولا.
وكان -غالبا- يسأل الطالب عن الشاهد من الشاطبية عند كل موضع فرشي، ولا يسمح له بالقراءة عليه حتى يستمع منه الأصول.
وكان لا يفوته شيء من أوجه القراءة، فمع تحضيرنا واستعدادنا للحزب كنا نغفل عن بعض الأوجه فينبهنا لها مباشرة، فكانت القراءات السبع عنده بأوجهها وتحريراتها كالفاتحة.
وكان يوقفنا على رءوس الأرباع ونهايات السور، ولا يقرأ عنده الطالب إلا ربع حزب غالبا، إلا أن يكون ذا همة فينتظر حتى ينتهي آخر طالب ويقرأ ربعا آخر أو ما شاء الله.
وكان يوصينا دائما بالتقوى والحرص على قيام الليل.
ولست في هذه العجالة أوفي الشيخ حقه، فحقه علي كبير، وفضله سابغ، لكن المناسبة جاءت فلم أرغب بتفويتها.
جزى الله خيرا من نشر الموضوع وشارك فيه.
ــــــــــــ
(1) "ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخلطون، وبخشوعه إذا الناس يختالون".
ـ[محمود الشنقيطي]ــــــــ[17 Nov 2008, 08:39 م]ـ
تلكَ المفاخِرُ لو تقاسمَ عُشْرَها ** رهطٌ لَعُدُّوا في الأنَامِ إمَامَا
ولي مع الشيخ القدوة الصالح المربي الفاضل مواقفُ وأيامٌ لعلي أجد متسعَ وقت أبثها فيه عبر هذا الملتقى العامر.
ـ[محمود الشنقيطي]ــــــــ[19 Nov 2008, 05:00 م]ـ
كنت بحمد الله تعالى في المرحلة الابتدائية أحدَ من أكرمهم الله بالتتلمذ على فضيلة الشيخ /التلميدي بن محمود الجكني الشنقيطي رحمه الله تعالى.
وكان الشيخُ أولَ من أجازهُ الشيخُ المقرئُ الفاضلُ/ سيد لا شين أبو الفرح حفظه الله , رغم أنه رحمه الله يكبر الشيخ بكثير.
وكانت حلقتاهما المسائيتان لتدريس القرآن متقابلتين في المسجد , وكلما تواجها داخلين أو خارجين ضربا للرائين أروع الأمثلة في تبادل الاحترام والإجلال والتوقير , وكم مرة يضطر الشيخُ لمخادعة شيخنا التلميدي فيأتيه من خلف ظهره - وهو لا يشعر - ليزرع قبلةَ احترامٍ وتقدير على رأس الشيخ رحمه الله.
وكذلك الشيخ رحمه الله كثيراً ما كان يعلمنا (فعلاً) كيف يُجل التلميذ شيخه وإن كان أصغر منه سناً.
وفي مدرستي الإمام نافع الليثي والإمام عاصم رحمه الله كان الشيخُ الوقور سيد لاشين عجيباً في انقطاعه للصلاة والذكر والإقراء في حصص الفراغ والفُسَح.
وكان هو القائم على الكلمات التي تُلقى في المُصلى بعد الظهر , وكنتُ بفضل الله أحد من كلفه الشيخ مرات بإلقاء الكلمات , والذي أذكره الآن كثرة نقله حفظه الله من تفسير القرطبي رحمه الله , واختصاره وإيجازه وحسن عبارته , وكان حريصاً على أن تتناسب هذه الكلمات مستويات السامعين من الطلاب في مرحلتي المتوسطة والثانوية.
وكان حفظه الله يحرصُ أثناء الإذاعة الصباحية في المدرسة أن يكون قريباً من المنصة التي يتحدث عليها الطلاب لتصحيح التلاوة والأخطاء التي ربما يقع فيها الطلاب.
ولم يكن شيخنا حفظه الله ممن يضرب الطلبة رغم حاجة كثيرين منهم إليه مع سماح النظام يومئذ , إلا أن الشيخ كان مكتفياً بمهابةٍ وجلالٍ يعلو محيَّاهُ , فلا أعرف أحداً مهما بلغ من الـ (شيطنة) كان يفكر في ممارسة لعبه بحضرة الشيخ أو أمام ناظريْه.
وأذكر أنَّ يوم الشيخ لم يكن فيه عملٌ أو شغلٌ بغير القرآن , فهو منذ الفجر الباكر يُقرئُ , وفي المدرسة قبل الطابور الصباحي يقرئُ المدرسين والطلبة , وفي الحصص يدرس الطلاب القرآن والقراءات , وبعد العصر يدرسُ في المسجد , ودار القرآن التي انتقل إليها من بعدُ , وبعد المغرب كذلك يقرئ , وهكذا يصحو وينامُ على القرآن يجتمع مع الناس ويتفرق معهم عليه.
ولا تُعرف للشيخ سقطة لسان أو زلةُ وقيعةٍ في أحد أو طعنٌ في قراءة قارئ أو إجازته أو الاستهزاء به , كما هي سنة بعضنا اليوم.!!
وكأني به يستحضرُ مع النصوص الشرعية في حفظ اللسان قولَ الإمام الشاطبي:
( ... وعن غيبةٍ فغبْ .. )
فلا أعرفُ له مشهدا لغيبة أو وقيعة.
وكان الشيخ حريصاً على ربط الطلبة بالنحو والوقف والابتداء ويكرر عدم استغناء طالب القراءات عنهما.
وهو حفظه الله حريصٌ جداً على العمل فلا يُعرف له تأخرٌ أو غيابٌ أو تقصيرٌ في الشرح أو تأخرٌ في المنهج أو تغافلٌ عمَّأ استصعبه الطلبة وأعجزهم.
حفظ الله شبخنا الكريم ووفقه لكل خير ونفع به الإسلام والمسلمين.
¥