ومن مآثر (الصحيح) أنه أكّد على المعرفة التامة الناصعة بالعقيدة، فبدأ بـ (بدء الوحي) و (الإيمان) وختمه بـ (الاعتصام) و (التوحيد). وذكر الأحكام المفصّلة والجامعة في العبادات والمعاملات وكلِّ نواحي الحياة، واهتمّ بذكر الآداب والمواعظ في كتاب (الأدب) و (الرقاق)، بالإضافة إلى ما نثره في بقية الكتب نثرَ الورود في الحدائق.
ومن روائعه أنه ضرب لنا أحسن الأمثال في تكامل العلوم الإسلامية محتفياً بعلوم شتى، فخصّ القرآن بكتابين في (الفضائل) و (التفسير)، واعتنى باللغة، وأشار إلى شيء من الأنساب والتاريخ، ونبه على قواعد الأصول وروح الجمع بين النصوص، وورود الناسخ، وإمكان الترجيح، كما ملأ (جامعه) بالفقه الدقيق واستخراج دقائق بمنتهى الكياسة، ولطائف في غاية النفاسة، حتى سار في الآفاق قول العلماء: "فقه البخاري في تراجمه"، فهو الذي نهج لأهل العلم اقتطاع الأحاديث على حسب النظرات الفقهية، وتكرارها حسب دلالاتها اللفظية، كيف وقد أورد زواج النبي صلى الله عليه وسلم من أمِّنا صفية رضي الله عنها أربعين مرة، وقد ضمّن أبواب الصحيح تراجم "حيّرت الأفكار، وأدهشت العقول والأبصار" كما قال ابن حجر رحمه الله، لا سيما وهو يؤثر الاستدلال الخفيَّ على الجلي؛ "لغرض شحذ الأذهان في إظهار مُضْمَرِهِ واستخراج خَبِيئِهِ"؛ حتى علّق ابن رشيد على ما ترجم به البخاري في أوائل كتاب العلم: (باب من رفع صوته بالعلم) قائلاً: "في هذا التبويب رمزٌ من المصنِّف إلى أنه يريد أن يبلغ الغاية في تدوين هذا الكتاب بأن يستفرغ وُسْعَه في حسن ترتيبه، وكذلك فعل رحمه الله تعالى"، وقال مُعلّقاً على الباب الذي ختم به البخارى كتاب العلم حيث ترجم: (باب من أجاب السائل بأكثر مما سأله)، فنبّه ابن رشيد ـ بحكمته وفطنته ـ على أن هذا "إشارةٌ منه إلى أنه بلغ الغاية من الجواب عملاً بالنصيحة، واعتماداً على النية الصحيحة، وأشار قبل ذلك بقليل بترجمة: (من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه) إلى أنه ربما صنع ذلك، فأتبع الطيّب بالطيّب بأبرع سياق وأبدع اتّساق"!
فإذا انضم إلى محلِّ ما ذُكر من روائع تبويبه، وبدائع ترتيبه، ونفائس تجميعه ما حفظه لنا البخاري من الأسانيد المتصلة برواية أكابر الثقات، حتى لا تنبني معرفتنا على الأوهام والتُّرَّهات، تبيّن لنا أنّ (الجامع الصحيح) جمع فأوعى، وكان اسماً على مسمّى، وما أحسنَ ما وصفه به صاحب (جواهر البخاري) حيث قال: "صار حَرِيّاً أن يُكتب بسواد المسك على بياض الكافور، ويُعلّق بخيوط النور، على نحور الحور ووجوه البدور"
هذا فيما يتعلق بالبخاري رحمه الله وكتابه الجامع الصحيح، نقلتها من بعض المصادر الأصيلة،مع التنبيه أن النقل من مواقع الشبكة بدون تمحيص قد يكون فيه مزلة عظيمة، وذلك أن هناك بعض المواقع لاتتحرى الدقة بل تتعمد خلط السم بالعسل مما يتطلب مضاعفة التحري والتدقيق،والحل هو عدم النقل إلا من مواقع موثوقة أو بالرجوع إلى المراجع الأصلية، وقبل قليل كنت في أحد مواقع المذاهب الشاذة قرأت فيها كلاما منسوب إلى الإمام الذهبي ومعاذ الله أن يقول الذهبي ذلك،فلما رجعت إلى كتابه عرفت أن التحريف والزيادة والتزوير بتلك النصوص المنقولة يستحق أكثر من قولنا تزوير، فسبحان الله ما أكذب القوم0
نعود إلى موضوعنا فنقول: بعد ترجمة البخاري وصحيحه يليه إن شاء الله نبذة عن ترجمة ابن حجر العسقلاني وكتابه فتح الباري وهو بيت القصيد من موضوعنا0
ولكم مني أجمل وأزكى التحايا
ـ[د. خالد الشبل]ــــــــ[15 - 12 - 2003, 01:05 م]ـ
الأستاذ الكريم أبا سارة
صدقني لم أرَ هذا الموضوع إلا الساعةَ فاعذرني، وإنني أؤيد الأساتيذ على قولهم، فالدرر لا يستأذن فيها، وبمناسبة هذا ليتك تتم موضوعك عن المتفرقات. لعلك ذكرته.
أحسنت، واصل طرح مفيدك، عشت.
ـ[أبو سارة]ــــــــ[17 - 12 - 2003, 03:19 ص]ـ
الأستاذ خالد حفظه الله
أشكرك على هذه الكلمات الرائعة،وما تشجيعك أنت وباقي الأخوة إلا دافع للمضي لمثل هذه الموضوعات التي تراها0
فما أحوجني إلى تصويباتكم وتصحيحاتكم،أبقاكم الله ومتعنا بعلمكم0
وسأكمل الموضوع لاحقا إن شاء الله، وسأكمل الموضوع الذي أشرت إليه أيضا أعلاه،وأظنه (من أقوال العلماء) أليس كذلك؟
لكم جميعا أجمل التحايا
¥