تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومع ذلك فقد بذل الشيخ في هذا الصدد اهتمامًا بالكتب الجغرافية التي نشرها أكثر من الكتب التاريخية، والناظر في كتابه رسائل في تاريخ المدينة يدرك أنّ الشيخ لم يكد يرجع إلى أي مصدر تاريخي نقل منه مؤلفو تلك الرسائل ولم يقابل ما أورده أولئك المؤلفون من نقول على مصادرهم، وكثير منها موجود ومتاح. كما يلاحظ أنّ التعليق على تلك الرسائل كان محدودًا جدًّا، ويتعلق بالرد على بعض الآراء المخالفة باختصار، أو تضعيف بعض الأحاديث دون سند. لكن ذلك ليس مطردًا، فقد نجد اهتمامًا بمصادر المؤلف التاريخية وعودة إليها كما في كتاب الدرر الفرائد الذي راجعه على بعض مصادره مثل كتاب مروج الذهب للمسعودي وكتاب أخبار مكة للأزرقي وكتاب شفاء الغرام للفاسي.

ويدخل في باب الرجوع إلى المصادر موضوع مهم من موضوعات التحقيق وهو التخريج، ونقصد به تخريج النصوص غير الجغرافية على مصادرها المختلفة كالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأشعار والأمثال والأقوال، وهي منتشرة في كثير من المؤلفات التي نشرها الجاسر.

والواقع أنّ الشيخ يغفل ذلك إغفالاً يكاد يكون تامًّا في كثير مما نشره، فلسنا نجد في هذه الأعمال اهتمامًا بتخريج النصوص الدينية أو الأدبية، فإذا استثنينا تخريج الآيات القرآنية في كتاب الدرر الفرائد وبعض الأحاديث في المناسك فإننا لا نجد لديه ميلاً إلى التخريج في تحقيقاته الأخرى؛ ففي رسائل من تاريخ المدينة جملة من الآيات القرآنية التي لم يدلّ على مواضعها في القرآن الكريم، ومنها ما تطرّق إليه الخطأ (25). كما أنّ في الكتاب أحاديث كثيرة اكتفى المحقق بتضعيف بعضها دون إشارة إلى المصدر (26).

أما الأشعار فيغفل الجاسر تخريجها متعمدًا؛ فعلى الرغم من أنّ كثيرًا من الأشعار قد وردت منسوبة إلى شعرائها (27) إلا أنّ الشيخ لا يكاد يرجع إلى دواوين أولئك الشعراء، مكتفيًا -فيما يبدو- بتخريجها أحيانًا على كتب المواضع، كما فعل في كتاب بلاد العرب عند تعليقه على بيت جرير:

إذا حلّت فتاة بني نمير على تبراك خبثت الترابا

فقد اكتفى بالإحالة على ياقوت قائلاً: "البيت في (يا) محرّف، والقائل جرير من قصيدته المشهورة: أقلاّ (كذا، وما في الديوان: أقلّي) اللوم عاذل والعتابا" ولم يخرجه على الديوان (28).

ولعل من المرات النادرة التي رجع فيها إلى ديوان لأحد الشعراء هو تخريجه لبيت النابغة:

لا أعرفن ربربا حورا مدامعها كأنهن نعاج حول دوار

فقد رجع إلى ديوان النابغة في نشرتيه الأولى بتحقيق أبي الفضل إبراهيم والثانية بتحقيق شكري فيصل، وهي صنعة السكري، التي وجد فيها كلمة "دوار" قد ضبطت بضم الدال كما في رواية الحازمي، بينما كانت في الطبعة الأخرى مفتوحة الدال (29)، وهذا يدلّ على أنه رجع إلى الديوان بطبعتيه ليحقق الاسم الوارد في البيت، لا ليوثّق نسبته إلى الشاعر. ومن هذه المرات النادرة تخريجه بيتين على ديوان الخنساء، طبعة شيخو سنة 1895م، دون ذِكر للصفحة، لكن الرجوع إلى الديوان اقترن بما وجده في هذا الديوان من شرح للمواضع وتحديد لها لا يوجد في كتب الأمكنة، الأمر الذي جعله ينقل الشرح في الهامش بحذافيره نقلاً يتجاوز الصفحة في الكتاب (30). ولا شك أنّ الاطمئنان إلى نسبة البيت إلى شاعر معيّن في المصدر دون الرجوع إلى ديوانه مظنة للخطأ، وأبرز مثال عليه نسبة أبيات إلى النابغة الذبياني في كتاب البرق اليماني (31)، وهي ليست له بل للنابغة الجعدي (32)، ويدلّ على ذلك ترحم القطبي على الشاعر، ولسنا نظن أنه يترحم على شاعر جاهلي، خاصة وأنه -أي القطبي- عالم بالشعر والشعراء. ومن ذلك نسبة بيتين إلى المقرب (؟) وهما مشهوران للمتنبي (33).

أما الأبيات غير المنسوبة إلى شعراء معينين في الكتب التي نشرها الشيخ فإنه نادرًا ما يخرجها ويعرّف بقائليها، حتى وإن كانت بعض الأبيات معروفة لبعض الشعراء المشاهير. وتلك طريقة سار عليها في معظم ما نشره.

ومع أننا لا نجد الشيخ يصرح بأسباب إغفال تخريج الأبيات الشعرية إلا أننا يمكن أن نستشف من اتباعه هذا النهج أنه يعدّ ذلك خارجًا عن عمل المحقق، أو يعدّه تزيّدًا لا داعي له.

الضبط بالشكل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير