تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لم يتخذ الشيخ طريقة واضحة في ضبط نص المخطوط بالشكل؛ فتارة نراه يعتني بذلك اعتناءً كبيرًا فيضبط كل كلمة في المخطوط، وتارة يتوسط في ذلك وتارة يهمل الضبط إهمالاً واضحًا.

والناظر في الكتب التي نشرها الشيخ يجد أنه يوجه عناية كبيرة لضبط الكتب الجغرافية، وإن كانت هذه العناية تتفاوت بين كتاب وآخر. ومن أمثلة الكتب التي بالغ في العناية بضبطها كتاب الأماكن للحازمي؛ فقد ضبط تقريبًا كل كلمة فيه بالشكل، وقد يقال إنّ النسخة التي اعتمدها من هذا الكتاب كانت نسخة خزائنية مضبوطة بالشكل بصورة عامة، لكن الواقع أنّ الجاسر قد بالغ في ضبطها بما يفوق ما هو موجود في تلك النسخة، فقد تعدى الضبط إلى حروف الجر ونحوها من الألفاظ التي تعرف بالبداهة لدى عامة القراء فضلاً عن خاصتهم، بل إنه، في ذلك الكتاب، ضبط كثيرًا من الهوامش بالشكل ضبطًا يكاد يكون تامًّا، وترك بعضها بلا ضبط، ولسنا نعرف سببًا لذلك سوى اختلاف الأوقات التي عمل فيها بالكتاب، فلعل ذلك كان مرده إلى السهو.

ومن الكتب التي توسط في ضبطها كتاب بلاد العرب للغدة الأصبهاني، وهو من أميز ما صنعه في هذا الصدد؛ فقد ضبط منه ما يحتاج إلى ضبط وترك ما عداه، وذلك اقتصار على المطلوب دون زيادة أو نقصان.

ويلاحظ الباحث أنّ معظم الكتب التاريخية وكتب الرحلات لم تجد من الشيخ عناية تذكر من حيث الضبط بالشكل، وبخاصة تلك الكتب التي تنتمي إلى القرن العاشر وما بعده كمؤلف السمهودي المسمى الوفا بحق حضرة المصطفى وجميع الرسائل التي نشرها في كتابه رسائل في تاريخ المدينة وكتاب البرق اليماني للنهروالي وكتاب الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المكرمة.

في هذه الكتب لم يلق المحقق بالاً للشكل، فجاء التحقيق خلوًا منه، إلا ما ندر، واقتصر الضبط أحيانًا على أسماء المواضع كما في كتاب البرق اليماني الذي ضبطت فيه هذه الأسماء طبقًا لما في المؤلفات القديمة، وأشير في مواضع يسيرة إلى طريقة نطقها الآن عند أهلها كما يقول المحقق (34)، والجدير ذِكره أنّ كثيرًا من الكلمات كانت في حاجة إلى ضبط.

التعليق على النص

إنّ المبدأ الثابت الذي ينطلق منه الجاسر هو العناية بالكتاب بتقريبه إلى نسخة المؤلف، وهو الهدف من التحقيق عنده، كما أشرنا إلى ذلك سابقًا، وينبني على ذلك رفضه للتكثير من التعليقات والحواشي على الكتب التي نشرها أو أشرف على إصدارها؛ ففي مقدمته لكتاب الإيناس في علم الأنساب للحسين بن علي الوزير المغربي (ت418هـ) يقول بعد أن أشار إلى عمله في التحقيق: "أما إطالة التعليقات بما هو زائد عن موضوع الكتاب، أو إيضاح ما قد يحتاج من إيضاح من كلماته، فأرى كل ذلك زائدًا عما يجب على الناشر عمله، إنه من عمل الشارح أو المستدرك على المؤلف" (35). وعندما عهد إليه القاضي محمد بن علي الأكوع بالإشراف على نشر كتاب صفة جزيرة العرب للهمداني، لم يجد بُدًّا من حذف الشروح الطويلة التي ملأ بها المحقق حواشي الكتاب مقتصرًا على ما يخص المواقع منه ومعتذرًا بأنّ "موضوع الكتاب وارتفاع أجور الطبع وثمن الورق، وتغير الأحوال تغيرًا جعل القارئ في هذا العصر متكيفًا بحالة عصره، فكان من أثر ذلك الحرص على الانتفاع بما بذله الأستاذ الجليل من جهد فيما له صلة بتحديد المواضع، وإرجاء ما عدا ذلك لمجال أرحب في فرصة أخرى ... " (36). ويقول في نهاية المقدمة: "ولما عهد إلي بالإشراف على الطبع رأيت السير في النهج الذي سلكه المحقق الجليل لا يتسنى لغيره، وحاولت أن أوضح من أسماء المواضع النائية عن اليمن ما قد يكون من خطأ الناسخ، أو هفوة المؤلف، أو أضيف إلى التعريف بالموضع أو وصفه على ما هو عليه الآن ما قد يحتاج إليه القارئ، غير أنني رأيت أنّ هذا العمل يضاعف حجم الكتاب، بل يخرج عن النهج المألوف في التحقيق إلى عمل هو بالشرح ألصق ... لهذا انحصر عملي في إضافة كلمات موجزة على ما كتبه الأستاذ المحقق، وفي مقابلة الأصل الذي نسخه وعلّق عليه بمخطوطة لدي من الكتاب ... " (37).

ويقول في مقدمة تحقيق الدرر الفرائد: "حاولت التثبت من صحة ما فيه من نصوص منقولة عن مؤلفات استطعت الاطلاع عليها فقابلتها وأشرت إلى ذلك في الحواشي التي حاولت أن تكون موجزة؛ فالغاية تحقيق النص لا شرح الكتاب" (38).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير