ادلة كثيرة يسوقها محمد رجب النجار للتدليل على ان ما صنعه ابن المقفع يؤلف ابداعاً بالمعنى المعروف للكلمة، وليس اي شيء آخر. فالكتاب عربي لا هندي، في ضوء تطبيق المقارنة النصية وتجلياتها البنائية والدلالية في ابراز الفروق بين الانساق الفكرية والجمالية على تعدد مستوياتها. ومما يذكره في هذا المجال ان العنوان في البنجاتنترا هو اسفار الحكمة الخمسة الذي لا يشير الا الى ان الكتاب مكون من خمسة اسفار او ابواب او فصول يتمحور مغزاها حول "الحكمة" بمعناها الشامل. اما العنوان العربي فهو كليلة ودمنة المستمد من احد فصول الكتاب من باب اطلاق اسم الجزء على الكل. وهذا الاختيار لا يخلو من دلالة ومغزى. ومعروف ان كليلة ودمنة - وهما من بنات آوى - كانا وزيرين بالوراثة في النص الهندي يدعى الأول منهما كراتاكا (أي المنتصر) والآخر داماناكا (أي ذو العواء المخيف) وكان الاول وزيرا عادلا في حين كان الآخر وزيرا منافقا حاسدا انتهازيا ظالما، وقد ورد ذكرهما في السفر الاول فقط (سفر التفريق بين صديقين، او باب الاسد والثور) وذلك على النحو الذي وردا عليه في النص العربي .. مع تحريف واضح في الاسماء، غير ان الفارق الجوهري بين الكتابين يتمثل في ان النص الهندي ينتصر للوزير الشرير الظالم. الغاية تبرر الوسيلة، على حين ينسحب الوزير العادل من الحياة السياسية التي لا مكان فيها للشرفاء.
أما النص العربي فينتصر للوزير العادل، ويعاب الوزير الشرير في فصل كامل من تأليف ابن المقفع، هو فصل أو باب الفحص عن أمر دمنة. وفيه يعقد ابن المقفع محاكمة سياسية لهذا الوزير الشرير، وينتهي امره بأن يقتل في حبسه أشنع قتلة، ليس فقط تحقيقا لمبدأ انتصار الخير على الشر الذي يؤثره الخيال القصصي والعقلية الشعبية، وانما ايضا - وهذا هو المهم - لما ينطوي عليه ذلك النصر من مغزى سياسي أخلاقي موجه الى الخليفة المسلم حتى يتبين حقيقة الوزراء المحيطين به، فلا يغدر بالشرفاء ويكافئ الأشرار منهم، ولات ساعة مندم!
وهذا الفصل، او الباب الجديد الذي عقده ابن المقفع لمحاكمة دمنة، يجمع الدارسون، العرب وغير العرب، وعلى رأسهم نولدكه في كتابه تاريخ الأدب العربي على ان واضعه هو ابن المقفع. وهذا صحيح لسبب بسيط هو ان هذا الفصل غير موجود في البنغاتنترا، ولا في نسخ الشاهد الأخرى الفارسية والسريانية فهو اذن من ابتكار ابن المقفع.
لقد آن الأوان بنظرنا لاعلان عروبة هذا الكتاب على النحو الذي ذكره الدكتور محمد رجب النجار في كتابه عن التراث القصصي في الأدب العربي. كما آن الأوان لاعادة الاعتبار لمؤلفه ابن المقفع الذي انتصر في كتابه (وفي سائر كتبه) لحقوق الانسان عن طريق سرد حكايات الحيوان من السخف التعامل مع ابن المقفع كشعوبي او كمانوي، او ككاتب من اصل فارسي، وبالتالي اعتباره واحدا من الدخلاء على حضارتنا العربية الاسلامية. وإذا كان ابرز ما ميز حضارتنا عبر التاريخ هو هذا التنوع في تجلياتها، وانفتاحها على كل افق، وانحيازها الى كل ما هو نبيل وانساني، فابن المقفع جدير بأن يكون نموذجا من نماذجها المستنيرة ذات الوجه الانساني، وعلى ذلك ينبغي التعامل مع ابن المقفع ككاتب عربي حر وملتزم وصاحب مؤلف يفخر به تراثنا كما تفخر به حضارتنا.
ـ[قريع دهره]ــــــــ[24 - 10 - 2004, 08:25 م]ـ
الله يجزاه خير الدكتور محمد رجب النجار
وبصراحة
أنا ماكنت مقتنع أبداً أن كتاب كليلة ودمنة ابن المقفع قام فقط بالترجمة
لأنه بصراحة ابن المققع من أفضل الكتاب الذين مروا في الإسلام ولا مانع إن قلت بالعالم
ويكفيه فخرا نتاجه الأدبي كليلة ودمنة والأدب الكبير والأدب الصغير
وهما والله قمة في الحكمة والأدب
تحياتي
ـ[أبو سارة]ــــــــ[25 - 10 - 2004, 03:48 ص]ـ
جزاك الله خيرا على هذا النقل المفيد
ذكروا أن ابن المقفع كان يجيد اللغتين الفارسية والعربية وأنه ترجم عدة كتب وأن أكثرها فقد، كما ذكروا أن واضع الكتاب هو بيدبا الفيلسوف الهندي، وأن ابن المقفع نقله من الهندية إلىالعربية، هذا ما قرأناه، أما التحقيق فقد يكون فيما ذكرتَ جانبا من الصحة، وهذا الأمر بحاجة إلى تحقيق أكثر0
شكرا لك
ـ[قريع دهره]ــــــــ[25 - 10 - 2004, 04:05 ص]ـ
أهلا بك أخي أبوسارة
المستغرب أخي الكريم أنه من المستحيل أنك تجد غربيا يعترف بفضل العرب
مع أنهم هم من أخذوا تقافتنا وعلمنا وسرقوا كثير منه ونسبوه لأنفسهم
ويقولون أن العرب هم فقط ناقلين ومترجمين ... وأن الإبداع ليس منهم!!
هذا فقط الأمر الذي يحزنني
ـ[أبو سارة]ــــــــ[25 - 10 - 2004, 04:41 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في عام 807م أهدى الخليفة العباسي هارون الرشيد ساعة معدنية إلى قيصر الروم شارلمان، ووصفها مؤرخ القيصر ويدعى (اينهرد) وصفا عجيبا وذلك في مذكراته، وفي كتاب (تقدم العرب في العلوم والرياضيات وأستاذيتهم لأوربا) ذكر عبدالله الجراري أن ابن يونس هو مخترع رقاص الساعة (البندول) كما اخترع ميل الساعة الشمسية ذات الثقب0
وقد ذكر صاحب الزيج الصابئ آلات عربية دقيقة لقياس الوقت ووصفها، ولاتزال آلة الاسطراب ماثلة للعيان في دار الآُثار الأسبانية بخطوطه العربية الأنيقة، وكانت هذه الآلة من أدق الآلات لحساب الهندسة ومايتعلق بها، و لا أبالغ حينما أقول أنها تنافس الآلات الألكترونية الحالية من حيث الدقة! بل ليست الآلات الحديثة إلا تطوير للاسطرلاب العربي0
ولو نظرنا إلى أسماء النجوم في خرائط الجامعات الغربية المتقدمة لوجدنا أكثر من ثلثيها عربي الاسم والصفة، ولك أن تزور هذه الموقع الغربي ( http://www.jas.org.jo/star.html) لترى شيئا من ذلك
قلت هذه المعلومات بناء على ما قرأته من مطالعاتي في كتب الفلك العربية، وقد يكون للعرب تقدم في علوم أخرى لا أعرفها، والله تعالى أعلم وأحكم0
ولك خالص التحايا0
¥