تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ونلاحظ هنا قانونين يلعبان دوراً كبيراً في التراث النحوي عامة وفي هذا الباب خاصة، والقانون الأول هو قانون السبق؛ فالأسبق له الأولوية في الحكم والعمل، والقانون الثاني قانون الجوار، فالتجاور له اعتباره الكبير في أبواب نحونا العربي، ولعلنا نلمح أثراً كبيراً للقانونين في مباحث الفقه أيضاً، ولا يخفى علينا ما بين العلمين من علاقة وثيقة وأثر وتأثر.

وأركان التنازع ومصطلحاته هي المتنازع والمتنازع فيه، ويسمي النحاة هذا الباب باب الإعمال.

فالعوامل الطالبة تسمى العوامل المتنازعة، ويسمى المعمول (المتنازع فيه) و (المتنازع) وهناك صور كثيرة للمتنازع نذكر منها هذه الصور على سبيل المثال:

1. فعلان متصرفان.

2. فعل متصرف + فعل جامد.

3. وصفان مشتقان.

4. فعلان من باب ظن.

5. فعلان من باب أعطى.

6. فعلان من باب أعلم.

7. وأخيراً تنازع حرفين.

وحول الشروط الخاصة بالعوامل المتنازعة منها أن يكون العامل فعلاً أو شبهه كما في قول الشاعر:

لقد علمت أولي المغيرة أنني لقيت فلم أنكل عن الضرب مسمعا

حيث تنازع كل من (لقيت)، و (الضرب) مسمعاً.

وقد ذهب جمهور النحاة إلى امتناع التنازع بين الحرفين أو بين الحرف وغيره، لأن الإعمال قد يؤدي إلى الإضمار ولا يجوز الإضمار في الحروف (17).

وقد أجازه بعضهم، كالفارسي وابن العلج، ومنه قوله تعالى "فإن لم تفعلوا" (18) حيث تنازع "أن" و "لم" الفعل بعدهما. (19)

وقد أشار المجمع إلى ورود التنازع في الحرف وذلك في التعبيرات الحديثة كتنازع لم ولن في قولهم "أنَ صورتها لم ولن تغيب عني". وتنازع لا ولن في قولهم "إن موقفك لا ولن يغير رأيي"، وأجاز المجمع التعبيرين، واقترح إدخالهما في باب التنازع مع الأخذ برأي البصريين في إعمال الثاني وتطبيقه على الحروف على سبيل التوسعة. (20) ويلاحظ في كلا التعبيرين وجود الرابط بين العاملين وهو العطف بالواو، ولكن وردت أمثلة لتنازع الحروف وليس بينها رابط كما في قول امرئ القيس:

فقالت يمين الله ما لك حيلة وما إن أرى عنك الغواية تنجلي (21)

ومن شروط العوامل المتنازعة أن يكون العامل متصرفاً كما في قوله تعالى "آتوني أفرغ عليه قطرا"، (22) وكذلك يشترط اقتضاء العاملين للمعمول وتقدم العوامل على المعمول وضرورة الربط بين العاملين، ووسائل ذلك الربط كثيرة منها العطف، وأن يكون الثاني جواب العامل الأول كما في قوله تعالى "يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة"، (23) فالفعل الثاني جواب للأول، وغير ذلك من وسائل الربط بين العوامل المتنازعة، ومن الشروط أيضاً وجود العوامل المتنازعة، ولا يجوز حذف أحد العوامل.

أما عن الشروط الخاصة بالمتنازع فيه فيمكن أن نوجزها في وجوب تأخره عن العوامل، وألا يكون ضميراً فلا يجوز "علي قام وقعد هو" وألا يكون واقعاً بعد إلا، وعلى هذا فليس من التنازع قول الشاعر:

ما جاد رأياً ولا أجدى محاولة إلا امرؤ لم يضع دنيا ولا ديناً

والغالب في الإعمال هو "إعمال الثاني" وقد ورد ذلك في الشعر (24) وكذلك في القرآن الكريم كما في قوله تعالى "هاؤم اقرءوا كتابيه". وإذا نظرنا لهاتين الظاهرتين، في محاولة لتفسيرهما، فإننا قد نجد أن السبب الأول في ظهور ظاهرة الاشتغال هو فكرة العامل وما أدت إليه من أحكام، فأي ظاهرة من ظواهر الإعراب عند النحاة أثر ولابد لها من مؤثر وموجد لها وعامل قد عمل فيها، وقد يكون هذا العامل ظاهراً أو غير ظاهر، وقد وجد النحاة بعض الظواهر اللغوية كظاهرة نصب الاسم المتقدم على الفعل ولا عامل هناك مثل "زيداً أكرمته"، ولا يصح عند النحاة أن ينصب الفعل الاسم وضميره في وقت واحد، فراح النحاة يبحثون عن مخرج حتى تتوافق الأمثلة أو الواقع اللغوي مع قواعدهم النحوية، فذهب جمهورهم إلى أن الاسم المتقدم منصوب بفعل محذوف واجب الحذف لدلالة الفعل الموجود عليه.

وقد أرجعت فكرة العامل في النحو عند الكثيرين إلى تأثر النحاة بأصول الفقه فقد ذهب الفقهاء إلى القول بالعامل والبحث عن العلة، كما تأثر النحاة بعلم الكلام وعلمائه من قولهم بأن لكل حادث محدثاً ولكل موجود موجداً، وأنه لا يمكن أن يكون هناك مخلوق بغير خالق، ولم ينتبه النحاة إلى الفرق بين طبيعة كل من العلمين حيث يعتمد النحاة على شواهد من كلام الناس في حين يقوم الفقه على النص القرآني (25).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير