هو، ولا يحيي ولا يميت إلا هو ولا يدبر الأمر إلا هو، وأن جميع السماوات ومن فيهن، والأرضين السبع ومن فيهن كلهم عبيده وتحت تصرفه وقهره.
كشف الشبهات - (ج 1 / ص 2)
الفصل الثاني
بيان الأدلة على أن المشركين الذين قاتلهم رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - مقرون بتوحيد الربوبية ولم يخرجهم ذلك من
الشرك في العبادة
كشف الشبهات - (ج 1 / ص 3)
فإذا أردت الدليل على أن هؤلاء الذين قاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشهدون بهذا، فاقرأ قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [يونس: 31]. وقوله {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: 84 - 89] وغير ذلك من الآيات. فإذا تحققت أنهم مقرون بهذا ولم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وعرفت أن التوحيد الذي جحدوا هو توحيد العبادة الذي يسميه المشركون في زماننا (
كشف الشبهات - (ج 1 / ص 4)
الاعتقاد). كما كانوا يدعون الله سبحانه وتعالى ليلا ونهارا، ثم منهم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم من الله ليشفعوا له أو يدعو رجلا صالحا مثل اللات، أو نبيا مثل عيسى. وعرفت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتلهم على هذا الشرك ودعاهم إلى إخلاص العبادة لله وحده، كما قال الله تعالى: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18]، وقال: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ} [الرعد: 14]. وتحققت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتلهم ليكون الدعاء كله لله، والنذر كله لله، والاستغاثة كلها بالله، وجميع أنواع العبادات كلها لله. وعرفت أن إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في الإسلام، وأن قصدهم الملائكة، والأنبياء، والأولياء، يريدون شفاعتهم والتقرب إلى الله بذلك هو الذي أحل دماءهم وأموالهم. عرفت حينئذ التوحيد الذي دعت إليه الرسل وأبى عن الإقرار به المشركون.
كشف الشبهات - (ج 1 / ص 5)
الفصل الثالث بيان أن توحيد العبادة هو معنى لا إله إلا الله وأن
الكفار في زمنه - صلى الله عليه وسلم - كانوا أعرف بمعناها من بعض
من يدعي الإسلام
كشف الشبهات - (ج 1 / ص 6)
وهذا التوحيد هو معنى قولك (لا إله إلا الله) فإن الإله عندهم هو الذي يقصد لأجل هذه الأمور سواء كان ملكا، أو نبيا، أو وليًّا، أو شجرة، أو قبرا، أو جنيا لم يريدوا أن الإله هو الخالق الرازق المدبر، فإنهم يعلمون أن ذلك لله وحده كما قدمت لك. وإنما يعنون بالإله ما يعني المشركون في زماننا بلفظ (السيد) فأتاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعوهم إلى كلمة التوحيد وهي (لا إله إلا الله) والمراد من هذه الكلمة معناها لا مجرد لفظها. والكفار الجهال يعلمون أن مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الكلمة هو (إفراد الله تعالى) بالتعلق و (الكفر) بما يعبد من دونه والبراءة منه، فإنه لما قال - صلى الله عليه وسلم - قولوا (لا إله إلا الله) قالوا {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5]. فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك، فالعجب ممن يدعي الإسلام وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكفرة، بل يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب لشيء من المعاني. والحاذق منهم يظن أن معناه لا يخلق ولا يرزق إلا الله ولا يدبر الأمر إلا الله، فلا
كشف الشبهات - (ج 1 / ص 7)
خير في رجل جهال الكفار أعلم منه بمعنى (لا إله إلا الله).