بل العقل زمام الفكر، فإن انطلق الفكر من زمام العقل خبط خبط عشواء ...
فالعقل ليس هو الفكر أو الرأي أو النظر بل العقل أمر متحكم فيهما ضابط لهما على مقتضى العلم والحكمة ...
ولهذا جاء مدح العقل بإطلاق في الكتاب والسنة، بخلاف الفكر والرأي والنظر فإنها تنقسم إلى محمود ومذموم
وآفة أهل الأهواء أنهم انتصاراً لأهوائهم يسمون فكرهم ورأيهم ونظرهم عقلاً ...
كما يسمي المبتدعة في الأبواب العملية بدعهم قرباً وطاعات وديناً وشريعة ...
والله تعالى إنما أمر بالعقل وبما يحفظه لم يأمر بطرحه بل وبما يضر به أو ينقصه ..
والعقل غريزة ركبها الله تعالى في الإنسان لينتفع بالعلم .. وجعله فرقاناً بين المتعلمين .. فإن الذي يتعلم إنما ينتفع بالعلم إذا عقله وعقل إرادته به، وإذا لم يفعل فهو كالحمار يحمل أسفاراً ينطق بالعلم ويعمل بالجهل وهو من أخس الخلق منزلة ..
(8)
وعوداً على بدء فإنَّ الذين ردوا على الجهمية في زمن المحنة وبعدها من التكلمين كان فيهم من يميل إلى نصر العقائد المتلقاة عن السلف من الصحابة وأتباعهم بإحسان وهو الأثر الذي يأثر اللاحق عن السالف، وهذا المأثور هو سنة النبي صلى الله عليه وسلم وطريقته في الإيمان بالله تعالى ومعرفته
وهذا الصنف من المتكلمين فيهم من كان الكلام غالباً عليه وفيهم من كان الكلام مغلوباً عليه بفقه أو سلوك ..
فمن أشهر الذين غلب عليهم الكلام من هؤلاء: أبومحمد عبدالله بن سعيد بن كلاب البصري ..
ومن أشهر الذين غلب عليهم الفقه: الحسين الكرابيسي أحد تلاميذ الإمام الشافعي في العراق، وهو في عداد المحدثين في الجملة.
ومن أشهر الذين غلب عليهم السلوك وتهذيب الإرادة والقصد: أبوعبدالله الحارث بن أسد المحاسبي البصري.
(9)
وحيث إنَّ ابن كلاب كان أكثرهم انصرافاً إلى الكلام وانشغالاً به فقد نشات في المتكلمين بعده طائفة تميل إلى طريقته في إثبات الصفات وإن اختلفوا في تفاصيل الإثبات، ويجمعهم إعمال الرأي في هذا الإثبات فكانوا بما أثبتوه من الصفات المتلقاة عن الكتاب والسنة أقرب طوائف المتكلمين في هذا الباب إلى السنة وأهلها ..
وكانوا بما أعملوا فيه آراءهم مخالفين لأهل السنة ومختلفين مع مخالفي أهل السنة من أهل الأهواء ..
فإن الكلابية صار أكبر نفيها لحقيقة الفعل لا لاسمه فهم يثبوت اسم صفات الفعل وينفون حقيقة الفعل ومن هنا نشأ قولهم الشهير الذي امتازوا به في مسألة الكلام ورد عليهم فيها أئمة الأثر وأئمة الكلام من المعتزلة وغيرهم ..
وأظهر الكرابيسي بين الفقهاء والمحدثين هذه المسألة في قالب أقرب إلى أسلوبهم باسم مسألة اللفظ، وصارت بها فتنة بل فتن داخل صفوف أهل العلم ولا سيما المحدثين بخلاف الفتنة الكبرى السابقة التي وقعت للإمام أحمد فإنها جاءت من خارج صفوفهم من الجهمية الخالصة باستعداء السلطان
وأما فتنة اللفظ ومن فروعها مسألة خلق الإيمان وما تبعها من تفريع وتشقيق فضولي مكدر لصفو الإيمان في القلوب فإنها مست أئمة كباراً وأوذي بها جبال من أئمة السنة كالبخاري وغيره وشمت بهم أعداء الكل من أهل الأهواء ...
(10)
فهذه الكلمات ليست سوى جولة عابرة إجمالية على هذه المسألة بحسب ما سنح وما أذن الله تعالى به في هذا الوقت، وقد قسمتها بحسب تجانس الأفكار لتسهيل الاستيعاب ..
ولعل من الإخوان من يساهم بمزيدٍ نافع قريبٍ إلى الفهم غير مشتت للقلب ..
فإن المراد ببحث هذه المسائل تثبيت الإيمان في القلب ونفي الشبه عنه، لا ضد ذلك، والأمر متعلق بأعظم عظيم، صفات ذي الجلال والإكرام ونعوته المقدسة،
غفر الله لي ما زللت فيه، ووفقني وإخوتي للسداد والرشاد، آمين ..
ـ[عبدالله ابن عَبيدِه]ــــــــ[11 - 02 - 09, 07:56 م]ـ
هذا التعديل للمشاركة السابقة أرجو من اعتماده وإلغاء السابقة دفعاً للتشويش والتشتيت جزاهم الله خيراً ..
الحمد لله رب العالمين
نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم من ربه سبحانه معرفاً به ودالاً عليه عزوجل ليخرج الناس به من الظلمات إلى النور ..
وجمع (الظلمات) كما يرد في الآيات يدل على أنَّ المراد جميعُ الظلمات بأنواعها وفنونها وصنوف تعلقاتها، وأولى ما يدخل في ذلك الظلمات العقدية والفكرية التي لأن عقيدة الإنسان وفكره أياً ما كانت فإنها هي التي تسيِّره في حياته وتوجه حركته فيها
¥