وهذه الغاية هي أصل الغايات التي يدعوا إليها المذهب السلفي , والدعوة إليها أصل من أصوله الكبار الذي كان يؤكد على أهميته والدعوة إليه الأئمة الكبار كمالك والشافعي والثوري وابن المبارك وغيرهم من أئمة مذهب السلف إلى من جاء بعدهم على مر القرون إلى عصرنا الحاضر , فإن دعوتهم قائمة على الدعوة إلى الأخذ بما كان عليه الصحابة والتابعون لهم من أصول في الاستدلال وقواعد استنباط وأقوال في المسائل الشرعية الأصولية , وكثيرا ما يكررون في كتبهم وعقائدهم التأكيد على وجوب الأخذ بما كان عليه الرسول r وصحابته الكرام , وأن ما كانوا عليه هو الحَكَمُ بين طوائف الأمة , يقول الأوزاعي:" اصبر نفسك على السنة. وقف حيث وقف القوم. وقل بما قالوا وكف عما كفوا، واسلك سبيل سلفك الصالح؛ فإنه يسعك ما وسعهم" ([3] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=58#_ftn3)) , ويقول الشعبي:" ما حدثوك به عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فخذه. وما حدثوك به عن رأيهم فانبذه في الحش" , ويقول أحمد بن حنبل:" أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بهم" ([4] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=58#_ftn4)) , ويقول عمر بن عبدالعزيز:" قف حيث وقف القوم، فإنهم عن علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، وهم على كشفها كانوا أقوى، وبالفضل لو كان فيها أحرى، فلئن قلتم: حدث بعدهم؛ فما أحدثه إلا من خالف هديهم، ورغب عن سنتهم، ولقد وصفوا منه ما يشفي، وتكلموا منه بما يكفي" ([5] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=58#_ftn5)) .
وقد درج أتباع مذهب السلف على الدعوة إلى هذا الأصل الأصيل عندهم حتى أنهم في مناظراتهم لمن خالفهم يلزمونه بأن يثبتوا أن ما قاله منقول عن الصحابة , ويجعلون عدم ثبوته عن الصحابة دليلا على بطلانه , ومن ذلك ما قاله محمد بن عبدالرحمن الأدرمي لرجل وقد تكلم ببدعة ودعا الناس إليها: "هل علمها رسول الله rوأبو بكر وعمر وعثمان وعلي، أو لم يعلموها؟ , قال: لم يعلموها، قال: فشيء لم يعلمه هؤلاء أعلمته أنت؟ , قال الرجل: فإني أقول: قد علموها، قال: أفوسعهم أن لا يتكلموا به، ولا يدعوا الناس إليه، أم لم يسعهم؟ , قال: بلى وسعهم، قال: فشيء وسع رسول r وخلفاءه لا يسعك أنت؟ , فانقطع الرجل. فقال الخليفة - وكان حاضرا -: لا وسع الله على من لم يسعه ما وسعهم".
فأهل السنة لا يريدون من الناس إلا الرجوع إلى ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم والرجوع إلى من تبع سننهم من الأئمة الذين شهدت لهم الأمة بالإمامة والعلم , وتَحَقُق هذه الغاية يعتبر هدفا أساسيا لهم , وهي في الحقيقة دعوة إلى الإسلام الحقيقي الذي أخذ به الصحابة رضي الله عنهم.
فمن كان يدعو إلى إسلام ما قبل الخلاف ويقصد ما تدل عليه هذه العبارة من معنى ظاهر فهو يدعو إلى مذهب أهل السنة والجماعة في الحقيقة.
· معنى آخر:
إلا أن هذه الدعوة تطلق ويُراد بها أمر آخر , هو قدر زائد على الأخذ بما قبل الخلاف , فبعض من يطلقها يرى أن الحق لم يعد خالصا بعد وقوع الافتراق بين الأمة , وإنما تأثر بالانتماءات الطائفية والسياسية والحزبية , فكل فرقة من فرق الأمة أخذت تقرر الحق وتراعي في تقريره ما يناسب اتجاهها ولو من طرف خفي , ولم تسلم طائفة من طوائف الأمة من هذا اللبس الذي جعل الحق غير خال مما يكدره أو ينقص صفاءه , فغدا الحق في الأمة مشوشا مختلطا بغيره , وضعفت فيه الموضوعية أو انعدمت , كل ذلك بسبب الافتراق والتحزب , مما يوجب على المصلحين والصادقين ترك ذلك كله والرجوع إلى إسلام ما قبل الخلاف؛ حتى يتمكن المرء من التوصل إلى الحق الخالص.
وبعض من يدعو إلى إسلام ما قبل الخلاق يبني دعوته على أن الأمة بعد الخلاف قد توزع الحق بين طوائفها , فلم تعد هناك طائفة تمثل الحق ويتمثل الحق فيها , حتى يؤمر الناس بإتباعها والتمسك بمنهجها والانتساب إليها , وإنما بعض الحق قد يوجد عند طائفة وبعضه قد يوجد عند طائفة أخرى , فالحق في الصفات مثلا قد يوجد عند الأشاعرة , والحق في القدر قد يوجد عند المعتزلة , وهكذا دواليك , فَفِرق الأمة قد توزعت الحق فيما بينها بعد حصول الافتراق.
¥