ثم ما في المخلوقات من أنواع التغييرات، وما فيها من تنوع في الأشكال والجمال والحسن والكمال، يدل على وجود إرادة للحق في إدارة الملك، كما أن ما فيها من المصالح والغايات والحكم البينات الواضحات، يدل على حكمته وإتقان صنعته، وغير ذلك مما دعانا الله تعالى إلى النظر فيه فقال سبحانه تعالى: (إِنَّ فِي خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ الليْل وَالنَّهَارِ وَالفُلكِ التِي تَجْرِي فِي البَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَل اللهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُل دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) البقرة/164.
ومن الأمور التي يدرك بها العقل حقائق الأشياء أيضا المتواترات: كعلمنا بوجود مكة والمدينة، فإن العلم بوجودهما علم يقيني، وكذلك بعثة النبي العلم بها علم يقينى، لما ورد فيها من تواتر الأخبار وحملة الآثار، وقد اتفق علماء الحديث على أن الأحاديث المتواترة تدل على اليقين وهى التي رواها جمع يستحيل اتفاقهم على الكذب عن جمع آخر يستحيل اتفاقهم على الكذب إلى نهاية الإسناد إلى رسول الله صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ.
ومن الأمور التي يدرك بها العقل حقائق الأشياء التجريبيات وقد يعبر عنها باطراد العادات، وذلك مثل حكمك بأن النار محرقة وأن الشمس مشرقة، وأن الماء ينزل من السماء فيحي الأرض بعد موتها، فهي سنن وعادات وتجربة وممارسات، ولذلك حذرنا الله من العصيان، بما حدث لأعدائه في سالف الزمان، كان مصيرهم الخسف والمسخ والصيحة والنبران فقال تعالى:
(قَدْ خَلتْ مِنْ قَبْلكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ آل عمران) وقال: (قُل للذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لهُمْ مَا قَدْ سَلفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلينَ) (فَهَل يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأَوَّلينَ فَلنْ تَجِدَ لسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلا وَلنْ تَجِدَ لسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلا)، وفي الحديث (لا يُلدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ).
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أن رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال: (إِنَّ الصِّدْقَ بِرٌّ وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلى الجَنَّةِ وَإِنَّ العَبْدَ ليَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا وَإِنَّ الكَذِبَ فُجُورٌ وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلى النَّارِ وَإِنَّ العَبْدَ ليَتَحَرَّى الكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا)، فغاية ما للعقل النظر في الأسباب والتعرف على دلالتها، ولا يجوز للإنسان أن يتجاوز ذلك كما قال تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)
ما هي الغاية الرئيسية من وجود العقل؟ معرفة الإنسان بما ينفعه ويضره، وكيف يحصِّل الخير الأعلى ويدفع عن نفسه الشر الأدنى ويحقق لنفسه الأفضل دائما
أى بحيث يستطيع النجاة والبعد عن الوقوع فى الكفر والبدع التى تستوجب العذاب وان يستطيع أن يصل الى الجنة بالاخلاص والاتباع أى بفعل المأمورات والانتهاء عن النواهى.
الا انه هناك الكثيرون من الناس يفعلون ما يضرهم، ويقال عنهم بأنهم عقلاء.
نقول: هذا عقل نسبي، لأن أعقل الناس قد يكونون ممن يُضرب بهم المثل في العلم، ولكن تسمع قول الله تبارك وتعالى فيهم: (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ. قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ. وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (الملك:8 - 10)، فهؤلاء كان لهم عقول، ولكن لم يُميزوا بين الضرر والنفع، لأن الله تبارك وتعالى لمَّا أوجد العقل فينا أراد منا أن نُميز بين ما ينفعنا وما يضرنا، والإشكال الذي يحدث هو في قِصر النظر إلى النفع والضرر، فتجد من يرى أن الخير الذي سيعود عليه هو أن يستمتع بالحياة بمجموعة من المتع.
والحمد لله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـ[محمد السلفي الفلسطيني]ــــــــ[28 - 03 - 09, 04:22 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[تقى الدين ابو عبد الرحمن]ــــــــ[09 - 05 - 09, 10:01 م]ـ
وجزاك الله خيرا شيخ محمد السلفى