إذا دخل حلق الصّائم غبار أو ذباب أو دخان بنفسه، بلا صنعه، ولو كان الصّائم ذاكراً لصومه، لم يفطر إجماعاً - كما قال ابن جزيّ - لعدم قدرته على الامتناع عنه، ولا يمكن الاحتراز منه، وكذلك إذا دخل الدّمع حلقه وكان قليلاً نحو القطرة أو القطرتين فإنّه لا يفسد صومه، لأنّ التّحرّز منه غير ممكن، وإن كان كثيراً حتّى وجد ملوحته في جميع فمه وابتلعه فسد صومه.
2 - : الادّهان:
لو دهن الصّائم رأسه، أو شاربه لا يضرّه ذلك، وكذا لو اختضب بحنّاء، فوجد الطّعم في حلقه لم يفسد صومه، ولا يجب عليه القضاء، إذ لا عبرة بما يكون من المسامّ، وهذا قول الجمهور.
وأخرج البخارى - تعليقا - وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلْيُصْبِحْ دَهِينًا مُتَرَجِّلًا.
قال ابن حجر:أَنَّ الْإِدْهَانَ مِنْ اللَّيْل يَقْتَضِي اِسْتِصْحَابَ أَثَرِهِ فِي النَّهارِ , وَهُوَ مِمَّا يُرَطِّبُ الدِّمَاغ وَيُقَوِّي النَّفْسَ فَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ الِاسْتِعَانَة بِبَرْدِ الِاغْتِسَال لَحْظَةً مِنْ النَّهَار ثُمَّ يَذْهَب أَثَرُهُ. أ.هـ
3 - البلل في الفم:
قال ابن قدامه:
روى عن جابر بن عبد الله قال قال عمر بن الخطاب هششت فقبلت وأنا صائم فقلت يا رسول الله صنعت اليوم أمرا عظيما قبلت وأنا صائم قال أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم قلت لا بأس به قال فمه " [رواه ابو داود - قال الألباني: صحيح]
ولأن الفم في حكم الظاهر لا يبطل الصوم بالواصل إليه كالأنف والعين وإن تمضمض أو استنشق في الطهارة فسبق الماء إلى حلقه من غير قصد ولا إسراف فلا شيء عليه، وبه قال الأوزاعي و إسحاق و الشافعي في أحد قوليه وروي ذلك عن ابن عباس .......... ولأنه وصل إلى حلقه من غير إسراف ولا قصد ما لو طارت ذبابة إلى حلقه وبهذا فارق المتعمد فأما إن أسرف فزاد أو بالغ في الاستنشاق فقد فعل مكروها لقول النبي صلى الله عليه و سلم:" للقيط بن صبرة: " وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما"، [انظر حديث رقم: 927 في صحيح الجامع] ولأنه يتعرض بذلك لإيصال الماء إلى حلقه فإن وصل إلى حلقه فقال أحمد: يعجبني أن يعيد الصوم. أ.هـ[المغني - (ج 3 / ص 36 وما بعدها)]
وهذا معناه أن البلل الّذي يبقى في الفم بعد المضمضة، إذا ابتلعه الصّائم مع الرّيق - بشرط أن يبصق بعد مجّ الماء لاختلاط الماء بالبصاق – لايفسد الصوم، ولا تشترط المبالغة في البصق، لأنّ الباقي بعده مجرّد بلل ورطوبة، لا يمكن التّحرّز عنه.
4 - ابتلاع ما بين الأسنان:
ولا يفسد الصوم ابتلاع ما بين الأسنان، إذا كان قليلاً، لا يفسد ولا يفطر، لأنّه تبع لريقه، ولأنّه لا يمكن الاحتراز عنه، بخلاف الكثير فإنّه لا يبقى بين الأسنان، والاحتراز عنه ممكن، والحد بين القليل والكثير هو ان الكثير هو ما يشعر به ويقدر على اخراجه.
وشرط الشّافعيّة والحنابلة، لعدم الإفطار بابتلاع ما بين الأسنان شرطين:
أوّلهما: أن لا يقصد ابتلاعه.
والآخر: أن يعجز عن تمييزه ومجّه، لأنّه معذور فيه غير مفرّط، فإن قدر عليهما أفطر، ولو كان دون الحمّصة، لأنّه لا مشقّة في لفظه، والتّحرّز عنه ممكن.
وهنا يلزم التنبيه على مسألة علاج الاسنان فى نهار رمضان، كالحشو، والتبييض ونحو ذلك، فإذا استطاع الا يبلع شئ لم يضر ذلك صيامه، اما اذا ابتلع من ذلك شئ، فسد بذلك صومه .... فليتنبه لذلك.
وفى الجامع لأحكام الصيام: [الطبعة الثانية - (ج 1 / ص 278)]
أما بقايا الأكل بين الأسنان، فإنها إن بقيت في مكانها، فلا خلاف في أنها لا تفطِّر، ولا تفطِّر كذلك إن ازدرد الصائم شيئاً منها وكان يسيراً، لأن الشرع عفا عن اليسير مما لا يمكن التحرُّز منه. وأما إن تجمع في فمه منها كمية وشكلت جسماً يُبلع، أي جسماً يحتاج إدخاله في الجوف إلى عملية بلع وليس بجريانه مع الريق دون إحساس به، فإن الواجب طرحه ولفظه، فإن بلعه أفطر، حاله كحال بلع حبة عدس مثلاً.
¥