6. ومن الفهم الخاطئ ما يقوله بعض الحاسبين في أن الأمة سوف تصير إلى قولهم وتعمل بالحساب في إدخال الشهر كما عملت بالحساب في تقاويم الصلاة لكن المسألة مسألة وقت.
هذا قاله بعض أهل الحساب وانتشر لدى بعض الناس وهو خطأ جرأهم عليه مقولة هذا الحاسب الذي لا علم له بالشرع، مع أن هذه المقولة قديمة ولذلك تعرض العلماء لبيان الفرق بين المسألتين وممن نبه على الفرق بينهما الإمام القرافي في الفروق والسبكي، والحاصل أن هذه المقولة خاطئة من وجهين:
الوجه الأول: تأريخي فهي موجودة من القرن السابع أو قبله ومع ذلك فلم تعمل الأمة بالحساب في إدخال الشهر مع أن الفقهاء أجازوا العمل بالحساب في أوقات الصلاة؛ فالأمة الآن لها سبعة قرون أو أكثر وهي لم تعمل بقولكم في إدخال الشهر مع أنها تعمل به في معرفة أوقات الصلاة.
الوجه الثاني: شرعي وهو أن أهل العلم بينوا أن بين المسألتين فرقاً مؤثراً خفياً على هذا الحاسب وأتباعه.
ومن الفروق بين المسألتين:
1 – أن مقدمات الهلال خفية جداً وليست متيسرة لكل أحد ويكثر فيها الغلط أما الأوقات فمقدماتها سهلة واضحة كالزوال والغروب وغيرهما يدركها أكثر الناس بدون عناء.
وحاصل هذا الوجه أن الحساب منضبط ودقيق في أوقات الصلاة بخلاف الحساب في الهلال.
2 – أن الله عز وجل تعبدنا في أوقات الصلاة بوجودها كما قال سبحانه: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ... ) (الإسراء: من الآية78) فمتى ما زالت الشمس صلينا الظهر سواء علمنا بالزوال برؤية أو حساب أو شاخص أو غير ذلك.
أما في صيام رمضان فقد تعبدنا الله عز وجل برؤية الهلال لا بوجود الهلال، ووجوده ورؤيته مختلفان.
وتعبيد الناس بالصيام بوجود الهلال تغيير للشرع كما سبق وتحريف للكلم عن مواضعه.
رابعاً: هدفهم وهدفنا:
أما هدفهم فهو شيء صرحوا به وهو توحيد المسلمين في عباداتهم في صيامهم وفطرهم.
فنقول لهم: توحيد المسلمين وجمع كلمتهم أمر عظيم وقصد جميل لكن المسلمين لا يتوحدون إلا على الكتاب والسنة وقد دل التأريخ أن الأمة إذا أبعدت عن الكتاب والسنة تفرقت وإذا قربت إليهما تقاربت، والكتاب والسنة دالان على وجوب العمل بالرؤية لا بالحساب.
والرؤية هي التي يمكن أن توحد المسلمين إذا لم نقل باعتبار اختلاف المطالع فإذا رؤي في بلد صام المسلمون كلهم.
مع أن التفاوت في الصيام بين المسلمين لا يدل على اختلاف الأمة لأن القول باعتبار المطالع قول معتبر أخذ به طائفة من الأمة والعجب منكم فقولكم هذا يلزم منه إلغاء القول باختلاف المطالع مع أنه قول سائغ منذ عهد السلف فتلغونه وتنشرون قولاً شاذاً فرقتم به الأمة وبددت به جهود العلماء واختلفتم معهم واختلف بعضكم مع بعض، فما أصدق القائل إن الأقوال والأعمال يعرف خيرها من شرها بنتائجها فهذا نتاج قولكم.
ثم إنني أؤكد على أن الاختلاف بمقدار يوم بين المسلمين لا يؤدي إلى الاختلاف بدليل أنه حدث في وقت الصحابة والتابعين وغيرهم ومع ذلك كانت الأمة متماسكة قوية محصنة من بأس الأعداء لأنها أخذت بأسباب الاتفاق الشرعية وهي الاعتصام بالكتاب والسنة اعتقاداً وقولاً وعملاً وسلوكاً ومنهجاً.
ثانياً: ومن أهدافهم التي صرح بها بعضهم هو أن المسلمين إذا عملوا بالحساب لم يكن بينهم تفاوت كبير أما إذا عملوا بالرؤية حصل بينهم تفاوت فكانوا ضحكة للأعداء.
والجواب عن ذلك:
أعداؤنا الكفار سمع منهم المؤمنون الأذى وسنسمع منهم الأذى على كل حال (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (آل عمران: من الآية186).
وما دام أننا سنسمع منهم الأذى على كل حال فلماذا نترك شريعتنا خوفاً من إعلامهم ووسائله أليس الصبر أجمل بنا مع التقوى؟!
¥