قال النووي في المجموع (2/ 363): "وأجاب القائلون بهذا عن حديث أنس المذكور بأنه محمول على القبلة ولمس الوجه واليد ونحو ذلك مما هو معتاد لغالب الناس فان غالبهم إذا لم يستمتعوا بالجماع استمتعوا بما ذكرناه لا بما تحت الأوزار ".
ونوقش: بأن هذا ضرب من التأويل، والقاعدة في الأصول: [يجب العمل بالألفاظ على ظاهرها، ولا يجوز تأويلها إلا بدليل]، ولا دليل، وما ذكروه من الغالب لا يسلم به، وعلى فرض ثبوته فإنه لا يصلح أن يكون دليلا، إذ القاعدة في الأصول-على الصحيح-: [لا يجوز قصر العام على الغالب من أفراده]، ومأخذ هذه القاعدة: شمول اللفظ العام لما ليس بغالب من أفراده من جهة الوضع.
2 - ما أخرجه أبو داود عن عكرمة رحمه الله عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا ".
وجه الاستدلال بالخبر: أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يتجنب الفرج فقط دون غيره، والقاعدة في الأصول: [أن فعله صلى الله عليه وسلم يدل على الجواز].
قال الإمام الشوكاني -رحمه الله- في نيل الأوطار (1/ 345): "يدل على جواز الاستمتاع من غير تخصيص بمحل دون محل من سائر البدن غير الفرج، لكن مع وضع شيء على الفرج يكون حائلا بينه وبين ما يتصل به من الرجل ".
وأجيب: بأنه ليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يباشر بين السرة والركبة، وكونه يلقي على فرجها ثوبا لا يلزم منه مباشرتها في كل مكان عداه.
3 - ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ناوليني الخمرة من المسجد»، قالت فقلت: إني حائض، فقال: «إن حيضتك ليست في يدك».
فائدة: وأخرجه مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه. (هذا الدليل لم أجده عند غير ابن حزم، ولم يبين رحمه الله وجه الاستدلال منه).
وجه الاستدلال بالخبر:
أن النبي صلى الله عليه وسلم بين لعائشة رضي الله عنها أن الحيض لا أثر له على غير محله الذي هو الفرج، ومن ثم يجوز مباشرة الحائض فيما بين السرة والركبة.
وأجيب: بأنه يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن نجاسة الحيض لا تتعدى محله إلى اليد وغيرها من الأعضاء، ولا تلازم بين الطهارة وبين جواز المباشرة، فلا يجوز مباشرة المحرمة والمعتكفة مع طهارتهما، والقاعدة في الأصول: [إذا وجد الاحتمال سقط الاستدلال].
وقد ذهب إلى تحريم مباشرة الحائض فيما بين السرة والركبة، الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة في رواية، [انظر فتح القدير لابن الهمام الحنفي (1/ 166)، التاج والإكليل للأبي المالكي (1/ 373)، روضة الطالبين للنووي الشافعي (1/ 136)، الفروع لابن مفلح الحنبلي (1/ 262)]، واستدلوا على ذلك بأدلة، ومنها:
1 - هذه الآية:
ومأخذ الحكم منها من قوله تعالى: ژ ہ ہ ہ ھھ ژ، فالمراد بالمحيض الحيض، وقد أمر الله عز وجل باعتزال النساء فيه مطلقا، والقاعدة في الأصول: [أن الأمر بالشيء نهي عن ضده]، والقاعدة في الأصول: [أن النهي المطلق للتحريم]، وقامت الأدلة على إباحة ما فوق السرة ودون الركبة، فيقيد الإطلاق بها، وبناءً على ذلك يبقى ما عداه على التحريم، فالقاعدة في الأصول: [يعمل بالمطلق على إطلاقه في غير محل التقييد].
وفي الآية وجه آخر: وذلك في قوله: ژ ھ ھ ژ فهذا نهي، والقاعدة في الأصول: [أن النهي المطلق للتحريم]، وهو عام في جميع صور القرب ويخصص من ذلك ما فوق السرة وتحت الركبة، لقيام الدليل عليه، ويبقى ما عداه على العموم، فالقاعدة في الأصول: [أن العام يبقى حجة بعد التخصيص].
قال الكيا الهراسي الشافعي -رحمه الله- في أحكام القرآن (1/ 135): "وأبو حنيفة يحرم ما تحت الإزار، ويحتج بأن قوله تعالى: ژ ہ ہ ہ ھھ ژ دال على حظر ما فوق الإزار وما تحته، غير أنه قام الدليل فيما فوق الإزار في الإباحة، وبقي ما دونه على حكم العموم ".
وأجيب عنه من وجهين:
- لا يسلم بكون المحيض بمعنى الحيض على ما تقدم.
- سلمنا، لكن قام الدليل على إباحة مباشرتها فيما بين السرة والركبة، فيقيد إطلاق الآية بذلك.
ويجاب عن الوجه الآخر:
بأن العموم مخصوص بالأدلة الدالة على إباحة.
2 - ما أخرجه الشيخان أيضا من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "وكان يأمرني، فأتزر، فيباشرني وأنا حائض".
¥