فأجلها الطبقات لأبي الحسين محمد بن محمد بن الحسين بن محمد بن الفراء القاضي الشهيد ابن شيخ المذهب القاضي أبي يعلى، وقد جعل هذه الطبقات على سير الطبقات الأولى، ثم الثانية، وهكذا مرتباً كل طبقة على حروف المعجم، مرتباً الطبقات على تقديم العمر والوفاة، وانتهى فيه إلى سنة اثنتي عشرة وخمسمائة، ثم ذيله الحافظ زين الدين عبد الرحمن بن أحمد المعروف بابن رجب فوصل في الذيل إلى سنة خمسين وسبعمائة، ثم ذيله العلامة يوسف بن حسن بن أحمد الحنبلي المقدسي مرتباً على الحروف وفرغ من تأليفه سنة إحدى وسبعين وثمانمائة، ومنها المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد للعلامة برهان الدين إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مفلح صاحب المبدع، وهو كتاب مستقل في مجلد ابتدأ فيه بترجمة الإمام أحمد، ثم رتب تراجم الأصحاب على حروف المعجم إلى زمنه وكانت وفاته سنة أربع وثمانين وثمانمائة غير أنه مال فيه إلى الاختصار، ومنها طبقات العلامة عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن العليمي المقدسي واسمها المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد، ومنها الرياض اليانعة في أعيان المائة التاسعة ليوسف ابن عبد الهادي، ومنها النعت الأكمل لأصحاب الإمام أحمد بن حنبل للفاضل الأديب محمد كمال الدين بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الدمشقي الشهير بالغزي الشافعي، وهي طبقات لطيفة جمع فيها ما كان في القرن التاسع والعاشر من علماء المذهب.
فرائد وفوائد
من اللازم على من يريد التفقه على مذهب من مذاهب الأئمة أن يعرف أموراً:
الأمر الأول: أن يعرف فن الحساب، وهو العلم بقواعد يعرف بها طرق استخراج المجهولات العددية من المعلومات العددية المخصوصة، وإنما جعلنا فن الحساب مما يلزم المتفقه أن يعلمه؛ لأنه يدخل في كثير من أبواب الفقه فيحتاج إليه فيها، وذلك كضبط المعاملات، وحفظ الأموال في الشركة، والمضاربة، وقضاء الديون، وقسمة التركات، وغير ذلك.
الأمر الثاني: أن يعرف فن الميقات إذ به تعرف جهة القبلة للصلوات، وتعرف به الأوقات وتصحيح الساعات المخترعة لمعرفة الأوقات، وأن يعرف من النجوم ما به يعرف القبلة.
الأمر الثالث: معرفة تراجم علماء مذهبه وما لهم من المؤلفات وأن يعرف طبقاتهم.
الأمر الرابع: أن يعلم من مفردات اللغة ما به يستعين على فهم الكتاب الذي يطالع فيه وإلى هذا وجه الفقهاء أنظار الطلبة فقد ألف المصباح المنير للغات الشرح الكبير على الوجيز للرافعي، وألف المغرب للحنفية لهذه الغاية أيضاً، ولمثلها ألف المطلع على أبواب المقنع الحنبلي، والدر النقي لشرح ألفاظ الخرقي، وألف الحجاوي كتاباً في بيان غريب كتابه الإقناع، فينبغي للمتفقه ألا يكون خلوا من معرفة اللغة فإن هذا يشينه ويعيبه.
لطائف وقواعد في طلب العلم
اعلم أن كثيراً من الناس يقضون السنين الطوال في تعلم العلم بل في علم واحد ولا يحصلون منه على طائل، وربما قضوا أعمارهم فيه ولم يرتقوا عن درجة المبتدئين، وإنما يكون ذلك لأحد أمرين:
أحدهما: عدم الذكاء الفطري وانتفاء الإدراك التصوري، وهذا لا كلام لنا فيه ولا في علاجه.
والثاني: الجهل بطرق التعليم، وهذا قد وقع فيه غالب المعلمين.
وحيث إن هذا الكتاب مدخل لعلم الفقه فلابد أن يذكر فيه من النصائح ما يتعلق بذلك العلم فيقال:
على المعلم إذا أراد إقراء المبتدئين أن يقرئهم أولاً كتاب أخصر المختصرات أو العمدة للشيخ منصور، ويجب عليه أن يشرح له المتن بلا زيادة ولا نقصان بحيث يفهم ما اشتمل عليه ويأمره أن يصور مسائله في ذهنه، ولا يشغله مما زاد على ذلك، ولا ينبغي لمن يقرأ كتاباً أن يتصور أنه يريد قراءته مرة ثانية؛ لأن هذا التصور يمنعه عن فهم جميع الكتاب.
فإذا فرغ الطالب من فهم هذا المتن نقله إلى دليل الطالب، وليشرح له هذا الكتاب على النمط الذي أسلفناه فلا يتعداه إلى غيره؛ لأن ذهن الطالب لم يزل كليلاً، ووهمه لم يزل عنه بالكلية، والأولى أن يبدل دليل الطالب بعمدة موفق الدين المقدسي إن ظفر بها؛ ليأنس الطالب بالحديث، ويتعود على الاستدلال به فلا يبقى جامداً، ثم إذا شرح له تلك الكتب أقرأه الروض المربع بشرح زاد المستنقع، ولا يتجاوز الشروح إلى حواشيها، ولا يقرئها إياه إلا بعد اطلاعه على طرف من فن أصول الفقه.
¥