ولكن في الوقت ذاته وفي الزمان عينه لا أهمل هذا الفن هاجرا له بل أرى أن الحق في تصحيحه وتنقيته مما دخل عليه لا فيه - والفرق ظاهر - وهذا هو الانصاف والعدل والوسط الذي هو نهج النبي الاسلمي من غير افراط ولا ميلان!
سَألَ شيخُنا أبو عمر النعماني العلامةَ ابن عثمين عمن يزهد في علم أصول الفقه بدعوى ما دخله من مباحث المتكلمين فقال العلامة: يا بني خذ الحق ودع الباطل فإن رب العالمين أقر حق المشركين وأنكر باطلهم (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) فلم ينكر عليهم قولهم وجدنا عليها أباءنا وإنما أنكر عليهم قولهم والله أمرنا بها (2)
وهذا استدلال رائع من العلامة ابن عثيمين رحمه الله وكلام غاية في الحسن
وفي ذلك المعني يقول العلامة الشوكاني رحمه الله: "فإن علم "أصول الفقه" لما كان هو العلم الذي يأوى إليه الأعلام، والملجأ الذي يُلجأ إليه عند تحرير المسائل، وتقرير الدلائل في غالب الأحكام، وكانت مسائله المقررة، وقواعده المحررة، تؤخذ مسلمة عند كثير من الناظرين، كما نراه في مباحث الباحثين وتصانيف المصنفين، فإن أحدهم إذا استشهد لما قاله بكلمة من كلام أهل الأصول، أذعن له المنازعون، وإن كانوا من الفحول، لاعتقادهم أن مسائل هذا الفن، قواعد مؤسسه على الحق، الحقيق بالقبول، مربوطة بأدلة علمية من المعقول والمنقول، تقصر عن القدح في شيء منها أيدي الفحول، وإن تبالغت في الطول، وبهذه الوسيلة صار كثير من أهل العلم واقعًا في الرأي، رافعًا له أعظم راية، وهو يظن أنه لم يعمل بغير علم الرواية، حملني ذلك بعد سؤال جماعة لي من أهل العلم على هذا التصنيف، في هذا العلم الشريف، قاصدًا به إيضاح راجحه، من مرجوحه، وبيان سقيمه من صحيحه، موضحًا لما يصلح منه للرد إليه، وما لا يصلح للتعويل عليه، ليكون العالم على بصيرة في علمه يتضح له بها الصواب، ولا يبقى بينه وبين درك الحق الحقيق بالقبول الحجاب. "أهـ (3)
وبهذا يبين العلامة الشوكاني أهمية هذا العلم وأيضا يبين أهمية دراسته وتنقيته مما دخل عليه مما هو ليس منه
ويقول العلامة عبد الكريم الخضير: وجدت دعاوى تقلل من شأن أصول الفقه، وهو علم حادث ودخله ما دخله من علم الكلام، نعم، هو علم حادث أوجدته الحاجة، لكن أصوله حاضرة في أذهان الصحابة والتابعين
ويقول أيضا:
علم الأصول علم في غاية الأهمية، كيف يعرف الطالب الذي ينتسب لطلب العلم الشرعي، وكيف يفهم من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- ما يخاطب به من التكاليف -من الأوامر والنواهي- وهو لا يعرف العام والخاص، والمطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ، والمنطوق والمفهوم وغير ذلك من مباحث أهل العلم؟ فهذا العلم لا غنى لطالب العلم عنه البتة " أهـ (4)
وقبل الشروع في بيان شذرات من فوائد هذا العلم وثماره، فإنه من المناسب أن أذكر تعريف "علم أصول الفقه"؛ فالحكم على الأشياء فرعٌ عن تصوّرها.
ومن التعاريف المشهورةِ قولهم إن أصول الفقه هو: "معرفةُ دلائل الفقه إجمالاً، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد".
ومن تأمّل في التعريف ظهرَ له وبكلِّ وضوحٍ غرضُ هذا العلم وثمرته، ولكن ما بالك بِمَنْ لو سألتَهُ عن التعريفِ لم يعرفْ! فكيف بفهمهِ وسبرِ أغواره؟!
فموضوعاتُ هذا العلم الرئيسة: معرفة مصادر التشريع، ثم معرفة كيفية الاستفادة منها "قواعد الاستنباط"، ومعرفة حال المستفيد (وهو المُجتهِد؛ والمُجتَهد فيه ومتى يجوز الاجتهاد ومتى لا يجوز، وشروط المجتهد وضوابط الاجتهاد).
- فوائد علم أصول الفقه - (5)
وفيما يلي تذكير لمن يعلم فائدته وبيان وتوضيح لمن لا يعرف عن هذا العلم إلا اسمهُ، ولم يقف إلا على رسمه
أقول ـ وبالله أستعين ـ:
الفائدة الأولى: يبين المنهاج والأُسس والطرق التي يستطيع الفقيه من خلالها استنباط الأحكام الفقهية للحوادث المتجددة فإن المجتهد إذا كان عالما بتلك الطرق - من أدلة إجمالية وقواعد أصولية - فإنه يستطيع إيجاد حكم لأي حادثة تحدث وهذا موضوع أصول الفقه
¥