يرى ابن تيمية أنه لمّا كانت اللغة تستخدم للتعبير عن محتويات العالم الخارجي، فلابد من وجود صلة بين بنية الواقع واستعمال اللغة بحيث تعكس اللغة ما هو موجود في الواقع. ونظرا إلى عدم وجود شيء مجرد في العالم الخارجي، بل كل الموجودات تُتصوّر مقيّدة بوجهٍ ما، فلا وجود إذن للألفاظ المطلقة للدلالة عليه. [ xxxii] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_edn32)
" فلا يوجد في اللغة لفظ السواد، والبياض، والطول، والقصر، إلا مقيّدًا بالأسود، والأبيض، والطويل، والقصير، ونحو ذلك، لا مجرّدًا من كل قيد، وإنما يوجد مجردا في كلام المصنفين في اللغة؛ لأنهم فهموا من كلام أهل اللغة ما يرون به القدر المشترك" [ xxxiii] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_edn33)
ويقصد بهذا أن يكون ردّا على مناصري التفريق بين الحقيقة والمجاز الذين ذهبوا إلى أن اللفظ المفرد مثل "الأسد" حقيقة، إذا اعتبر مجردا من القرينة، ومجاز إذا كانت هناك قرينة دالة على أن المتكلم يقصد "رجلا شجاعًا".
ولمّا كان ابن تيمية يعتقد اعتقادا راسخا أن الألفاظ المفردة (مثل "ذوق" في معناه المجرد) غير مفيدة، ومن ثمّ، غير دالة دلالة واضحة على الأشياء في العالم الخارجي، فإن هذا يقتضي أن تصوّره العملي empirical أو [الحسّي] للعلاقة بين اللغة والواقع يختلف اختلافا أساسيًا عن نظرة المناطقة الذريين، الذين يرون أن "كل لفظ بسيط من ألفاظ اللغة له معنى مفرد، ويمكن أن يوصف هذا إما مباشرة أو بضرب من الإيجاز من زاوية العلاقة بين اللفظ والشيء أو صنف الأشياء التي يدل عليها أو يسميها اللفظ في العالم الخارجي". [ xxxiv] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_edn34) ولعله مما يجدر ذكره هنا أن ثمة أمرين على الأقل يثيران صعوبات جوهرية لهذه النظرة الذرية، وهما اختلاف بنية اللغات، وكون ترجمة كلمة بكلمة ليست إجراء جيّدا عادة للترجمة السليمة للنصوص، الأمر الذي يعطي مصداقية لرأي ابن تيمية أن الإفادة تعتمد على السياق.
إن ما تبقى من مناقشتي لتفسير ابن تيمية للمجاز سيلخص في ثلاث نقاط: الأولى تشديده على الأصول الآتية، التي لا يُعدّ لفظ بدونها جزءا فعليا من اللغة:
أوّلا: لا يكون اللفظ مفيدا إلا إذا نظم مع آخر لتأليف جملة في الأقل. [ xxxv] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_edn35)
ثانيا: لا تدل الألفاظ إلا بالشروط الآتية:
أ*) أن يكون المتكلم عاقلا، وأن يستعمل اللغة على نحو مفهوم متواضع عليه وفقا لعادة كلامه.
ب*) أن يكون السامع عالما بعادة المتكلم في استعمال كلامه.
ت*) أن يتكلم المتكلم طبقا لعادته.
ث*) وأن يفترض السامع ذلك. [ xxxvi] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_edn36)
وعلى أي حال قد يحتج المرء على أن ابن تيمية بأنه لم يوفق في إصراره على أن المعاني معتمدة على السياق حتى إنه لا يمكن معرفة معنى "ظهر" إذا جردت من القرائن. وسيكون جواب ابن تيمية هو أنه على الرغم من أن لفظًا مثل "ظهر" قد يستدعي صورة ذهنية لظهر الإنسان، فهو –مع ذلك- لا يشير إلى شيء معين على شكل علاقة أحادية، كما أنه لا يمكن أن يستخدم في الإسناد. علاوة على ذلك، فإنه لمّا كانت مرادات الألفاظ هي الغاية النهائية من التخاطب، ونظرًا إلى أنه من غير الممكن أن نضع لفظًا لكل معنى بمعزل عن السياق، فلا يمكن –بناء على ذلك- أن يعد اللفظ جزءا من اللغة.
أما النقطة المهمة الثانية في تفسير ابن تيمية للمجاز فهي أنه يسوّي المجاز بما يسمى في علم الأصول المشكّكات. وقد أوضح القرافي أن سبب تسمية المشككات بهذا الاسم هو أن الناظر يشك: أتصنف على أنها من المشترك، أم من المتواطئ. ويقصد بالمتواطئ "اللفظ الموضوع لمعنى كلي مستو في محالّه". وعلى سبيل المثال، فإن كلمة "رجل" يطلق بالتساوي على كل من يمتلك السمات الآتية: (+إنسان +بالغ+ذكر). وقد عُرف المشكّك بأنه "اللفظ الموضوع لمعنى كلي مختلف في محالّه". [ xxxvii] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_edn37) فالنور مثلا يطلق على "نور الشمس"، و"نور المصباح"، على الرغم من اختلافهما. وكذلك هناك أنواع مختلفة من الوجود،
¥