وأما النقطة الثالثة التي تحتاج إلى عناية خاصة في تفسير ابن تيمية للمجاز فتتصل بالعلاقة بين اللفظ المجرد مثل "جناح" وتنوعاته الفعلية التي يقسمها الجمهور إلى حقيقة كما في "جناح الطائر" ومجاز كما في "جناح الذل"، بوصفها علاقة بين العام والخاص، أو بين المطلق والمقيد على الترتيب. والفرق بين العام والمطلق هو أن الأول يشير إلى صنف من الكائنات (التي يطلق عليها بحكم المواضعة اللغوية) بصرف النظر عن تنوعاتها الفردية، في حين يستخدم الثاني للإشارة إليها بقطع النظر عن تنوعاتها الوصفية؛ ولذا قد ينظر إلى "رجل" على أنه لفظ عام لانطباقه على زيد وعمرو مع اختلافهما، وقد يعد لفظا مطلقا لانطباقه على الرجل الخيّر والشرّير بقطع النظر عن تنوع أوصافهما. [ xlvii] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_edn47) وعلى أي حال، فإن الفرق بين المعنى العام والمعنى المطلق ليس مهما هنا؛ إذن أن المشار إليه المقصود، أو معنى اللفظ مرتبط في الحالين بالمقام الذي أطلق فيه، وبعبارة أخرى، فإن وجه الشبه بين اللفظ المجازي كالأسد في "رأيت أسدا يخطب على المنبر" من ناحية، واللفظ الخاص والمقيد من ناحية أخرى هو اشتراكهما جميعًا في كونها ألفاظا تتوقف معرفة المراد منها على السياق indexical expressions.
وفضلا عن ألفاظ الخاص والمقيّد والمجاز ثمة أنواع أخرى عوملت معاملة الألفاظ المقيدة بالسياق في أصول ابن تيمية، ومن ذلك أسماء المعارف التي تشمل
1 - المضمرات، نحو أنا وأنت وهو،
2 - أسماء الإشارة، نحو هذا، وذلك،
3 - الأسماء الموصولة، نحو {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}. [ xlviii] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_edn48)،
4- الأسماء المعرفة، بأل نحو الرسول،
5 - الأسماء الأعلام، كإبراهيم وإسماعيل ورمضان،
6 - المضاف إلى المعارف، نحو بيتي، وبيت هذا الرجل، وبيت الذي ذهب الآن، وبيت الرسول، وبيت إبراهيم.
7 - المنادى المعيّن، كقوله تعالى على لسان يوسف –عليه السلام-[ xlix] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_edn49):
(5) { يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا}. [ l] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_edn50)
يشير ابن تيمية إلى أن ألفاظًا نحو "رسول" و"بيت" قد يراد باستخدامهما الإحالة على المعنى العام، أو الإشارة إلى معنى أخص (بيت معيّن مثلاً)، ولتوضيح ذلك فقد مثّل بنحو
(6) {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً}. [ li] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_edn51)
(7) { لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم}. [ lii] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_edn52)
فلفظ "الرسول" في النصين السابقين واحد، ولكنه يشير إلى شخصين مختلفين، وهو الرسول موسى –عليه السلام- في (6) والرسول "محمد" –صلى الله عليه وسلّم- في (7). [ liii] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_edn53) وكذا فإنّ "أنا" و"أنت" و"هذا" و"ذاك" قد تستخدم إلى مراجع مختلفة في مقامات مختلفة.
والنقطة الأساسية التي يريد أن يطرحها ابن تيمية هي أنه على الرغم من أن هذا النوع من الألفاظ لا يستخدم مطلقًا دون قرينة لتحديد ما تشير إليه، ومع أن دلالة هذا النوع من الألفاظ تتألف من لفظٍ وقرينة لتحديد المشار إليه، فقد عوملت معاملة ألفاظ الحقيقة، ولم يدّع أحد بأنها من قبيل المجاز. [ liv] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_edn54)
¥