غير أن بعض رموزه يرون أن العلمانية هي الضمانة الوحيدة لحق الأمازيغية في الحياة والتطور، ونيل الحقوق المسلوبة حتى وصل الأمر ببعضهم إلى المطالبة بفرض العلمانية على الشعوب الأمازيغية المسلمة، والدعوة علنا لإقصاء الدين ومعادة كل ماله علاقة بالعرب من قريب أو بعيد، وتوظيف الأمازيغية لضرب الإسلام والهجوم على اللغة العربية التي هي لغة القرآن، و إطلاق مصطلح (الغزو) على الفتح الإسلامي، والانحياز للغرب وإلى أجندة تخدم المصالح الأجنبية، ورفض أية علاقة مع الشرق العربي الإسلامي، ومحاولة إحياء بعض أمجاد ما قبل الفتح الإسلامي للمغرب ومقدسات الأمازيغ القدامى و الحديث عن ألوهية (أكوش) وبطولة (تيهيا) و (كسيلة) ...
وهذا كله لا علاقة له بالأمازيغية، إنها محاولاتٌ توظف الأمازيغية لضرب الإسلام لا غير، وهي أراء جاهلية وأفكار عنصرية غير وطنية؛ لأنه يستحيل بالمغرب فصل المسلم الامازيغي عن هويته وحبه لدينه وللعربية التي يعتبرها وعاءً للإسلام وجزءا منه، وقد أخبره التاريخ بأن تعلمها وتعليمها كان اختيارًا ذاتيًّا لأجداده الأمازيغ، كما يستحيل التمييز في المغرب بين من أصله عربي ومن أصله أما زيغي، فهناك قبائل بكاملها تعرّبت وأخرى تمزّغت، وقد حدث اندماج عبر عشرات القرون حتى أصبح المغرب كتلة واحدة بعنصرين وحَّدهما الإسلام وجعل منهما كيانا واحدا: العرب والامازيغ
إن علاقة المغرب مع المشرق الإسلامي علاقة انتماء روحي عميق، على عكس بعض رموز الأمازيغية العلمانية الذين يزعمون أن مصالح المغرب ليست مع المشرق العربي، وإنما مع الغرب، وأنه ليس للمغرب ما يستفيده من المشرق العربي سوى الفكر الاستبدادي الأصولي والسلفي
وهذا أيضا فكر عنصري وجنوح بالثقافة الأمازيغية نحو التغريب، فالمشرق الإسلامي كان دائما -وسيبقى- الامتداد الحضاري الطبيعي للمغرب. منه جاء الإسلام وفيه نزل الوحي والرسالة وفيه أقدس مقدسات المسلمين
والحقيقة أن هوية المغرب إسلامية لها بعدان كبيران هما البُعد الامازيغي والبُعد العربي، وبهذا المعنى يكون الإسلام حكمًا على الجميع، وليس مجالاً للصراع بين العناصر المكونة للشعب المغربي
يمكن النقاش حول المكانة التي يتعين أن تتمتع بها الأمازيغية، فلا ينكر أحد أن هناك تهميشا وحيفا تعرضت لهما، ولها مطالب مشروعة يجب أن تتحقق، وحقها في الحياة حق شرعي بنص القرآن الكريم، وحق طبيعي انطلاقًا من المواثيق الدولية: الثقافية واللغوية، ويجب المزيد من النضال في سبيل تحقيق المزيد من تلك المطالب والنهوض بالأمازيغية لغة وثقافة وحضارة
لكن المشكلة أن هذا التيار المتمثل في الجمعيات الأمازيغية العلمانية يحاول الربط بين العلمانية والأمازيغية، و يوظف المطالب الأمازيغية المشروعة لخدمة أهداف إيديولوجية تتنافي تمامًا مع الأمازيغية، وتخدم مصالح الغرب وأعداء الإسلام، وهذه الأهداف تتلخص في ضرب الإسلام والهجوم عليه وعلى لغته العربية بكل الوسائل، وهذا خطأ فادح وتوجه مرفوض لدى جميع المغاربة، فالإسلام هو الضامن الأوحد لحق جميع الثقافات والعرقيات في العيش بسلام، وهو مكونٌ من مكونات الهوية، بل هو الهوية الجامعة
لقد تعايش العرب والامازيغ في المغرب وغيره يجمع بينهم الإسلام لمدة أربعة عشر قرنًا، في وئام وانسجام وتعاون، ومعظم الدول التي تعاقبت على حكم المغرب كانت ذات أصول أمازيغية، ومع ذلك حكمت بالإسلام، ودافعت عنه باستماتة،
ومن هنا يتبين أن الإسلام هو الدعامة الأساسية لبناء الهوية الوطنية، وتبقى الأمازيغية -كالعربية- بتراثها ولغتها وثقافتها رافدًا أساسيًّا لذلك النهر الكبير
فمن أجل الإسلام عبر طارق بن زياد الامازيغي البحر المتوسط لفتح الأندلس في القرن الأول الهجري، كما حكم يوسف بن تاشفين الأمازيغي شمال إفريقيا كلها تقريبًا بالإسلام، وانطلق العلامة الأمازيغي، المهدي بن تومرت، من الإسلام ليؤسس أكبر إمبراطورية عرفها تاريخ المغرب، وبالإسلام أيضًا جاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي الاستعماريين الأسباني والفرنسي، ومن أجل الإسلام كتب العلامة المؤرخ محمد المحتار السوسي الامازيغي بالعربية عشرات من المجلدات والكتب في تاريخ سوس وثقافتها وآدابها وتراثها
¥