[اللغة كيان الأمة]
ـ[أحمد يخلف]ــــــــ[03 - 06 - 07, 05:38 م]ـ
قبل أن نتحدث عن (اللغة العربية) كلسان للأمة العربية خاصة، وللعالم الإسلامي3 الأكبر بصفة عامة، وأثرها العميق الوثيق في تكوين كيان الأمة الإسلامية عقيدةً وشريعةً، وخُلقاً وتعاملاً وارتباطاً ..
قبل ذلك لابدَّ من مقدمة وجيزة عن ((اللغة)) من حيث الاصطلاح الأدبي والاجتماعي:
اختلف الباحثون في نشوء اللغات: هل هو توقيفي؟ أم تواضعي؟ ويقول ابن فارس في كتابه ((فقه اللغة)): إن لغة العرب توقيف، ودليل ذلك قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا} أي الأسماء التي يتعارفها الناس من دابة وأرضٍ وجبلٍ وسهل وأشباه ذلك .. ويوضح ابن فارس معنى أن اللغة توقيف بقوله: "وليس معنى ذلك أن اللغة كلها جاءت جملة واحدة، وإنما المعنى أن الله علم آدم ما شاء، ثم علّم بني آدم بعده ما شاء أيضاً حتى انتهى الأمر إلى نبيِّنا ((صلى الله عليه وسلم))، فآتاه الله ما لم يؤت أحداً من قبله".
أما ابن جنّي فيقول: في كتابه ((الخصائص)): ((إن أصل اللغة لابد فيه من المواضعة، وذلك بأن يضع حكيمان أو ثلاثة لكل واحدٍ من الأشياء سمةً ولفظاً)).
ويرى علماء الاجتماع أن ((اللغة)) تجعل من الأمة الناطقة بها كلاً متراصاً يخضع لقانون واحد، وأنها الرابطة الحقيقية الوحيدة بين عالم الأذهان وعالم الأبدان، وهي نظرية تصدُقُ على لغتنا العربية كما يقول الدكتور عثمان أمين – أكثر مما تصْدُق على أية لغة أخرى. فاللغة العربية عظيمة الأثر في تكوين عقليتنا، وهداية سلوكنا، وتصريف أفعالنا. ذلك أنها تمتاز على اللغات الأخرى ((بمثالية)) عميقة صريحة، تحسب حساب الفكرة والمثال وتضعهما مكانَ الصدارة والاعتبار .. أي أن لغتنا العربية تفترض دائماً أن شهادة الفكر أصدق من شهادة الحس، ويكفي في التعبير بها إنشاء علاقة ذهنية بين المسند والمسند إليه، دون حاجة إلى فعل الكينونة الذي هو لازمة ضرورية في اللغات ((الهندو – أوربية)) ودون الحاجة إلى التصريح بضمير المتكلم أو المخاطب أو الغائب، لأن الذات متصلة دائماً بالفعل في نفس تركيبه الأصلي.
ويقول ابن خلدون: "الملكات الحاصلة للعرب أحسن الملكات وأوْضحها إبانةً عن المقاصد لدلالة غير الكلمات على كثير من المعاني، مثل الحركات التي تعيَّن الفاعل من المفعول والمجرور – أي المُضاف – ومثل الحروف التي تُغضي بالأفعال إلى الذوات من غير تكلف ألفاظ أخرى .. ولا يوجد ذلك إلا في لغة العرب. وأما غيرها من اللغات فكل معنى أو حال لابد له من ألفاظ تخصه بالدلالة، ولذلك نجد كلام العجم في مخاطبتهم أطول مما تقدره بكلام العرب .. ".
حقيقة التلازم بين الإسلام والعربية
والآن نتحدث عن حقيقة الارتباط الوثيق بين اللغة العربية والإسلام، وأسراره وآثاره .. إن الواقع التاريخي للغة العربية وللدين الإسلامي – خلال أربعة عشر قرناً – يثبت حقيقة التلازم والارتباط بين انتشار كل منهما وازدهاره بمساعدة الآخر.
هذا إلى جانب حقيقة أخرى واضحة وثابتة هي: أن في كل من الدين الإسلامي واللغة العربية من القوة الذاتية والاستعداد الأصيل ما يكفل له الغلبة والانتصار.
فاللغة العربية – ذاتها – لغة حية أدت رسالتها في الحياة خير أداء، وعبّرت في عصورها الأولى عن حاجات المجتمعات التي تتخذها لغة لها تعبر بها عن مطالبها وآلامها وعلومها وآدابها وفنونها، وما زالت مستعدة للتعبير عن الحياة وما جدَّ فيها، ومستعدة أن تتسع أكثر من ذي قبل لكل جديد مبتكر ومخترع حديث كما يقول الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار في كتابه ((الفصحى والعامية)).
واللغة العربية أيضاً – من أغنى لغات البشر ثروة لفظية تستوعب حاجات الأمة الحسية والمعنوية – كما يقول الأستاذ مصطفى السقا في مقدمة كتاب ((المعجم العربي)) للدكتور حسين نصار.
¥