تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المثال الثالث: ما ذكره ابن حجر في (الجواب الجليل:ص18 منسوختي) عن القاضي أبي بكر بن العربي في شرح الموطأ فقال: ووقعت في شرح الموطأ للقاضي أبي بكر بن العربي لمَّا تكلَّم في البيوع على حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه، قال: هي صحيفةٌ صحيحة، وإنما تركها من تركها لقولهم إنها غير مسموعة، وهذا لا يمنع من الاحتجاج، وقد كان عند أولاد تميم الدَّري كتاب النبي r في قطعة أديمٍ؛ بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أقطع محمد رسول الله تميماً الدَّاري، أقطعه قريتي حبرون، وبيت عينون، بلدي الخليل، فبقي ذلك في يده، ويد أهله إلى أن غلب الفِِرنج على القدس والخليل سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.

قال: ولقد اعترض بعض الولاة على آل تميمٍ أيام كنت بالشام، وأراد انتزاعها منهم، فحضر القاضي حامد الهروي الحنفي، فاحتج الدَّاريون بالكتاب، فقال القاضي: هذا الكتاب ليس بلازمٍ، لأنَّ النبي r أقطع ما لا يملك، فاستفتى الوالي الفقهاء وكان الطُّوسي _ يعني الغزالي _ حينئذٍ ببيت المقدس فقال: هذا القاضي كافرٌ، فإنَّ النبي r قال: ((زُويت لي الأرض كلها) وكان يُقطع في الجنة فيقول: ((قصر كذا لفلان))، فوعده صدق، وعطاؤه حقٌّ، قال: فخزي القاضي والوالي، وبقي آل تميمٍ على ما بأيديهم.

قلت - ابن حجر -: وقد وقفت على أصل هذه القصة التي أشار إليها ابن العربي في كتاب ((قانون التأويل)) للغزالي، وهو كتابٌ جمعه القاضي أبو بكر بن العربي من فوائد الغزالي، ونصُّه في هذا الموضع: ما قوله أدام الله علوه فيما أقطع رسول الله r تميماً الدَّاري من الشام قبل أن يملكه أهل الإسلام؟ ما وجه صحته مع أنَّه جرى قبل الملك؟ ولم يتصل به القبض، ولم يجرِ تحديد محل الإقطاع؟ وهل يجوز للإمام أن ينزع ذلك من آل تميم؟ ومتى يحصل الملك للمُقْطَع؟

فأجاب: ذلك الإقطاع صحيح لتميمٍ، ومنتقلٌ إلى أعقابه، ووقت حصول الملك عند تسليم الإمام المستولي على ملك الأرض له ذلك.

ووجه صحته أنَّ النبي r كان مختصاً بالصفايا من المغنم، حتى كان يختار من المغنم ما يريد، ويدفع ملك المسلمين عنه بعد استيلائهم عليه، فكذلك كان له أن يستثني بقعة من ديار الكفر عن ملك المسلمين، ويُعيِّنها لبعض المسلمين فتصير ملكاً له، ويكون سبب الملك؛ تسليم الإمام بأمر رسول الله r وهي من التخصيصات قبل الاستيلاء، وليس ذلك لغيره من الأئمة، فإن كان r مطَّلعاً بالوحي على ما [8أ] سيُملَك في المستقبل وعلى وجه المصلحة في التخصيص والاستثناء، وغير ذلكولا يطلع عليه غيره.

وأما قول من قال: لا يصح إقطاعه لأنه قبل الملك، فهو كفرٌ محضٌ، لأنه يُقال له: هل حلَّ لرسول الله r ما فعل؟ أوكان ظالماً بتصرفه؟

فإن جعله ظالماً كفر، وإن قال: بل حلَّ له ذلك، قيل: فعلم أنَّ ذلك يحصل أو لا؟ فإن جهله كفر، وإن قال: إنَّه علم، لكن علم أنَّه لا يحصل، قيل له: فلا يبقى إلا أنَّه أقدم عليه مع علمه ببطلانه فيطيِّب قلب من سأله بما لا يحصل له، فهذا من الخداع والتلبيس، ومن نسبه إلى ذلك فقد كفر.

والطامة الحقيقية عندما وقف مؤلف كتاب ((تميم ابن أوس الداري وعلاقته بالأرض المقدسة)) وقال: إن الغزالي يكفر منكر الإقطاع – أي إقطاع تميم حبرى وبيت عينون -!! سبحان الله كيف يكون الفهم!! مع أن الإقطاع ورد من عدة أحاديث أحنها حالاً فيه راو ضعيف وانقطاع في سنده،

فالغزالي لم يكفر لمجرد إنكار الإقطاع لأن الإقطاع ورد من عدة أحاديث أحسنها حالاً فيه راو ضعيف وانقطاع في سنده، ومع ذلك فنحن لا نوافق الغزالي في تكفيره لهذا القاضي سيما وأنه تأول كلامه ثم كفر بناء على التأويل ولعله لم يُرد المعنى الذي ذكره الغزالي.

هذه أمثلة ونظراؤها كثير كثير تبين لنا كيف يتم تأويل كلام المتكلم ثم تكفيره بناءً على هذا التأويل وهو على كل حال مجتهد في قوله ولو عُرض عليه تأويل المتأول لكلامه لاستعاذ الله منه وأعلن البراءة، لذا نحن بحاجة إلى التريث عند قراءة أمثال هذه السقطات وأقل ما نفعله تجاهها الرد وتصويب الفهم، فإن لم نستطع فليس أقل من إماتتها وعدم ترديدها أما الناشئة وأصحاب الأغراض، والله أسأل أن يجنبنا الزلل والزيغ في القول والعمل.،


محمد أحمد جلمد27 - 05 - 2005, 05:11 AM
السلام عليكم

شيخنا الفاضل

حبذا لو تطرقت لمسألة تبديع المخالف بنفس الطريقة

بوركت أخي

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير