تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[القلب العابد .. إهداء مني لكم ...]

ـ[محمد بن القاضي]ــــــــ[16 - 01 - 06, 02:00 م]ـ

القلب العابد

أحبابي

ما أدري هل هذا القسم يتحمل هذه المشاركة أي: هل المشاركة قريبة من تخصصه؟

لكن أنا قررت أن أشارك بها في استراحتكم نصحا مني لكم وحبا مني فيكم.

القلب العابد ...

الحمد لله الذي جعل لكل شيء آله وقواما, وجعل آلة البدن وقوامه القلب, فإن صلح صلح وإن فسد فسد .. فلا يتذكر إلا من له قلب, ولا يعقل إلا من له قلب, ولا يري ويبصر إلا من له قلب, لأنها (لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).

وإنما سمي قلب الإنسان قلبا- كما قال أهل اللغة-" لأنه أخلص شيء فيه وأرفعه, وخالص كل شيء وأشرفه قلبه"

إنه المضغة التي تنير البدن كله إذا أنارت, وتظلم البدن كله إذا أظلمت, وحين تتحلى بالتقوى, وترتوي باليقين, تشيع بركات التقوى وأنوار اليقين في كل الجوارح, فتكون جوارح مباركة مهدية, والعكس بالعكس, فإنه موضع الإحساس كله, وموقع تدبير البدن بكاملة؛

ألم تر أن الله لما أراد لأصحاب الكهف والرقيم الثبات والقوة في الدين لم يفعل إلا أن قال: (وربطنا على قلوبهم) 0

ولما دعاه مؤمنو قوم موسى أن يطمس بصائر كفارهم ويهيئهم للعذاب لم يزيدوا على أن قالوا: (واشدد على قلوبهم)؟

ولما أراد أن يهزم اليهود الذين لم يتخيلوا لا هم ولا المؤمنون أن يهزموا بعد هذه القوة والحصون وما زاد على أن قال: (وقذف في قلوبهم الرعب)؟

من أجل ذلك فقد تقرر أنه لا يصلح عمل الجارحة إن عملت صالحا إلا إذا اقترن بعمل القلب, ولا تصح عبادة الجارحة إن عبدت إلا إذا اقترنت بعبادة القلب, وذلك أن عبادات الجوارح في حقيقتها ما هي إلا صور مرئية لعبادات القلوب، فإذا توافقتا كانت الصورة طبق الأصل, وهنا تقبل وترفع إلي الله تعالى, وإذا تخالفتا ردت في وجه فاعلها 0

ومن ثمة كان أول من تسعر بهم جهنم, ثلاثة من الذين يؤدون عبادات الجوارح الشديدة, ويمارسون قرباتها الصعبة, لكن لما اختلف العهد بينهن وبين عبادة القلب لم يكتف بردهن, وإنما صبرن وبالا على أصحابهن, وجسرا إلي السخط والجحيم بدلا من كونهن سبيلا إلي الرضوان والنعيم, وقيل لصاحبهن:" اذهبوا به إلي النار" 0

أشرف عبادات القلوب:

ومن هنا:

فالإخلاص: أشرف عبادات القلب وأعلاها, ومعناه عند المحققين" استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن" وهو تعبير عن التقاء العبادة الجسدية بعبادة القلب, وعدم انفكاك إحداهما عن الأخرى, وهذا هو الأمر الجامع الذي أمر به الناس, بل لم يؤمروا إلا به, وهو قوله تعالي:" وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين" فهو الفريضة الجامعة المانعة, التي هي ملاك العمل كله, ولذلك كانت أشد الفرائض على النفوس, قال أيوب السختياني:" تخليص النيات علي العمال أشد عليهم من جمع الأعمال".

والإخلاص له في عبادة القلب درجتان:

درجة النية , ودرجة المراقبة.

فأما النية فهي عمود الأعمال, فلا تقوم الأعمال ولا تعتبر إلا بها, وهذا ما أفادته الباء في قوله صلى الله عليه وسلم:" إنما الأعمال بالنيات". ومعناه أنها بها, وأما بغيرها فليس لها قوام، كما تقول" إنما أنا بك" يعني معنى وجودي مرتبط بوجودك وجودا وعدما. وهذه النية هي التي ترفع القليل من العمل وتكثره, وتزيد في خيره ونمائه, حتى إن الرجل يتصدق بالصدقة- كما قال صلى الله عليه وسلم" فيتلقاها الله بيمينه, فيربيها كما يربي أحدكم فلوه"- وهو الفصيل الصغير. وربما وجد بعض العباد صغار أعمال جوارحهم يوم القيامة كجبل احد, ما الذي نماها؟ إنها عبادة القلب إنها النية, إنه الإخلاص.

وصدق عبد الله بن المبارك إذ يقول: " رب عمل صغير تكثره النية, ورب عمل كثير تصغره النية".

وأما المراقبة:

فهي ثمرة الإخلاص, وهي ألا تطلب شاهدا لعملك غير الله. أو كما نقل ابن القيم في المدارج" تصفين الفعل عن ملاحظة المخلوقين، "فوظيفة هذه العبادة القلبية هي تصفية عبادة الجارحة من شوائب السمعة- مهما قلت, فبينما تتجافى الجنوب عن المضاجع تتجافى القلوب في الوقت نفسه عن المطامع, وتتوحد جهة العبادة في الواحد القهار سبحانه, فيكون الجزاء" فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين"، وهذا من مقتضيات توحيد العبادة, تحقيقا لقوله تعالي: (فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) 0

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير