تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الماوردي: قال جميع أهل التأويل أن المعنى لا يرائي بعمله أحدا" وهذا هو المتجه فإن الرياء شرك أصغر قال شداد ابن أوس: "كنا نعد الرياء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرك الأصغر".

والذي يساعد على هذا النمط الرفيع من الأداء هو تعلق القلب بربه, وشوق إلي لقائه, لذلك صدرت الآية بقوله:" فمن كان يرجوا لقاء ربه"

الرضا بالله والرضا عنه:

ومن عبادات القلب الجامعة التي لها أثرها الفائق في عبادات الجوارح وفي سلوك الإنسان عبادة (الرضا بالله) و (الرضا عن الله) فإن من رضي بالله ربا, رضي عنه في كل ما يشرع وما يقضي وما يفعل. بذلك كانت مرتبة الراضين عن الله تعالي هي مرتبة (خير البرية) في قوله تعالي:

(أولئك هم خير البرية, رضي الله عنهم ورضوا عنه, ذلك لمن خشي ربه)

التوكل:

وأول العبادات الناتجة عن هذه العبادة هي عبادة التوكل, والعلاقة بين التوكل والإيمان علاقة ملازمة, ألا ترى أن موسى عليه السلام يقول لقومه: (وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) وكذلك يخبر المؤمنون عن أنفسهم" قل هو الرحمن أمنا به وعليه توكلنا" ولذلك يقول ابن القيم:" والتوكل نصف الدين ... بل هو محض العبودية وخالص التوحيد إذا قام به صاحبه حقيقة".

وحقيقة التوكل: هو علم القلب بكفاية الرب للعبد. وهذا هو معنى " فهو حسبه" يعنى كافيه.

والتوكل يزيل الخوف والوحشة," الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل" فهو يجلب المنافع الدنيوية والأخروية:" فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء" ويتقي العبد به كل مكروه وسوء," من قال لو اخرج من بيته بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قيل له: وقيت وكفيت".

حسن الظن بالله:

وأنت إذا رضيت بالله أحسنت الظن به, وهو الخلق الذي لا يسع العبد أن يموت إلا به, فمن تخلف عنه حين موته خشي عليه سوء الخاتمة, قال صلى الله عليه وسلم" لا يموتن أحدكم إلا وهو بحسن الظن بالله".

ومن إحسان الظن بالله الرضا بقضائه في العباد, والتسليم الكامل له عن رضا نفس وطيب خاطر, ولعلم بأن مصلحة العبد في قضاء الرب, وإلا فما معنى قولك في قنوتك:" فلك الحمد على ما قضيت" إلا أنك تعلم يقينا أن هذا القضاء مما يحمد عليه, والأصل أن الحمد يستحق للأمر الطيب الكريم.

فإن كرهت شيئا من قضاء الله تعالي ردك إحسان الظن به إلى حبه وحمده عليه فلتطب هذه الأنفس الراضية عن الله به, ولتهنأ بالسعادة في ظل التوكل عليه وإحسان الظن به والتسليم له.

ومن أعظم ثمرات هذا الظن الحسن بالله تعالى الرضا الكامل بشرعه الكريم, واستقبال أحكام دينه بالبشر والسرور باعتبار أنها شرائع البر والخير والفضيلة والهداية؛ فهي عندهم بمنزلة الغيث بعد الجدب, والشفاء بعد السقم, فتكون لهم كما وصفها ربهم:" قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء" حتى إذا سئلوا: ماذا انزل ربكم؟ قالوا: خيرا. لأنهم رضوا به واطمأنت له قلوبهم, وذاقوا حلاوته فأخبروا بما وجدوه من أثرها.

ذكر القلب:

وعبادات القلوب كثيرة مباركة, يدركها أهل السرى إليه تعالى, كالتوبة وهي عبادة العمر ووظيفة الأيام والليالي جميعا, والتواضع لجلال الله, والذل والانكسار للعلي الجبار, واليقين والصبر, والخوف والخشية والرجاء والصدق والحب في الله والتقوى, وكل هذه العبادات ناشئ من بعضها البعض ومقوية لبعضها البعض, لأنها تنبع من فراديس المعرفة بالله تعالى وتعظيم القلب لشأنه سبحانه.

إلا أن المدد الذي يمد هذه العبادات, ويزيد من نمائها ورموقها هو عبادة الذكر, وأعني بالذكر ذكر القلب, وهو المعني أصلا بالذكر في الكتاب الحكيم في قوله: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) , وقوله:" فاذكروني أذكركم" , وقوله: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم) فإن هذا كله هو ذكر القلب لا ذكر اللسان,

قال القرطبي:" وأصل الذكر التنبيه بالقلب للمذكور واليتقظ له, وسمي الذكر باللسان ذكرا لأنه دلالة علي الذكر القلبي, غير أنه لما كثر إطلاق الذكر علي القول اللساني صار هو السابق للفهم".

وعن ابن عباس في قوله تعالي: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) قال: تطمئن بذكر فضله وإنعامه , كما توجل بذكر عذله وانتقامه". قلت: فهذه هي النفس المطمئنة التي تدخل في رحمة الله تعالى كما في القرآن الكريم, قال بعض أئمة السلوك:" النفس المطمئنة هي العارفة بالله تعالى التي لا تصبر عنه طرفة عين, بيانه" الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله".

أقول:

فهذا هو ذكر القلب وهو اجتماعه على معرفة الله بذاته وصفاته وأسمائه وظهور دلائلها علي تصرفات القلب جميعا, وهذه العبادة هي أصل عبادات القلب كلها, وهي سبب الإخلاص الذي هو أشرفها. والله سبحانه الهادي إلي الحق وإلي صراط مستقيم 0

والحمد لله أولا وأخرا وباطنا وظاهرا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير