تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نادى عليّ خرشه وطلب مني أن أنتظره كي يأتي معي إلى حقلي، وضع لوحته التي كان يرسم فيها على ناحية بجوار رصيف القطار وتركها وجاء بلوحة جديدة خالية من اللوحات التي يأخذها معه دائماً، وجاء معي دون أن يخبرني بكثير أو قليل، في معظم شوارع القرية تجد لوحات مرسومة ومركونة على ناصية معينة، من المعروف أن خرشه الرسام سوف يعود ليجمع حصيلة ما رسمه في هذا اليوم ويجمع كل لوحاته التي يحفظ أين تركها، كان أهالي القرية يفرحون بأن خرشة ترك بجوارهم لوحة من لوحاته فهم كانوا يعتبرون ذلك أنهم أهلاً للأمانة والثقة، فكانت لوحاته المتروكة هنا وهناك لا تضيع.

جاء معي خرشه الرسام إلى حقلي وهناك وضع لوحته فوق حاملها وأخرج أقلامه وفرشه وبدأ ينهمك في رسم هذه الشجرة التي كنت قد نويت على قطعها، ثم تحدث إليّ:

قال خرشه: تلك الشجرة بصورتها الطبيعية هذه ستجعل أرضك مزاراً سياحياً، أو علاجاً نفسياً.

لم أرد عليه ولكنه وضع في ذهني فكرة جميلة أفضل من الزرع والعزق وقطع هذه الشجرة، أن أصبح صاحب مزار سياحي أو علاجي، بعد فترة من التفكير .. رددت عليه: وكيف تصبح شجرتي هذه مزاراَ سياحياً؟

قال خرشه: أنا؟

قلت: أنت!!

قال: يضع سره في أضعف خلقه.

قلت: أنت .. مَن تكون أنت في المجتمع حتى تحول هذه الشجرة إلى مزار .. أنت فعلاً ..

قال: مجنون!

قلت: أكيد .. مجنون .. شجرة تصبح مزاراً سياحياً ..

قال: غداً قابلني هنا.

قلت: أقابلك.

أخذ يرسم ويمسح عرقه بألوانه وأحياناً بفرشته، لولا خوفي من الناس أن يلقبونني بالمجنون مثله لجلست معه حتى أرى نهاية رسمه لهذه اللوحة!!

عدت إلى منزلي،وأخبرت زوجتى بما حدث فقالت أن هذا الرسام عاداني بجنونه وأنني أصبحت أعاني مثله من الجنون، فلماذا لم أقطع الشجرة؟ ولماذا عدت من الحقل بدون فروعها؟ وأخذت تُذكرني بأنها ابنة شيخ البلد المتعلمة وأنها لا تريد أن تكون لزوجاً مجنوناً؟ وعليّ ألا أتبع هراء هذا المجنون الرسام .. وكذلك ألا أتبع هراء كتاباتي التي تصفها دائماً بأنها فاشلة. ثم عادت تدافع عن حمار والدها وقالت بأن قصة حمار شيخ البلد من أفشل القصص التي قرأتها وأنها يا ليتها ما طلبتها مني أيام كنت أحبها. وأدخلت مواضيعاً جديدة في مواضيع قديمة، وبدأت الشجار معي.

في اليوم التالي قررت أن أقطع هذه الشجرة قبل أن ترميني زوجتي بالجنون مثل خرشه الرسام، وذهبت إلى الحقل فرأيت جمهرة من الفلاحين هناك عند شجرتي يتفرجون ويضحكون دخلت وسطهم، نظرت إلى حقلي المزروع بالبرسيم، وجدت هناك عند الشجرة لوحات خشبية كثيرة معلقة على حواملها أمام كل واحدة رسام يرسم في الشجرة الموازية للأرض والمتفرع من جذعها خمس شجيرات. عندما لمحني المجنون خرشه جاءني وقال: قول رأيك بكل صراحة أدي البداية من هنا الوصول أنت ستصبح من أغنياء البلد.

قلت: من هؤلاء؟

قال (وهو يشير إلى رجل عجوز كبير السن شعره الأبيض لا يظهر من صلعته الحمراء): هذا الأستاذ الدكتور خالد القص ـ عميد كلية الفنون الجميلة. وهذا الأستاذ الدكتور خنفوش حسيس ـ من استراليا أحد الرسامين العالميين كان في بعثة إلى مصر فوجدتها فرصة لدعوته. وهذا الدكتور ..

وأخذ يذكر لي أسماء لا أبالي بمواقعها وتصنيفاتها، وقفت مثل الفلاحين أتفرج على الرسامين هؤلاء. بعد لحظات جاءت سيارة شرطة .. نزل منها أحد الضباط سلّم على الموجودين من الرسامين حتى أنه أيضاً سلّم على المجنون .. اتصل ضابط الشرطة بجواله الحكومي. لحظات قليلة .. قوات من الأمن نزلت احتاطت المكان .. شاحنة كبيرة محملة بالعمال والعدة والعتاد بدأوا يبنون سوراً من حديد حول قطعة الأرض الخاصة بي لحظات وتم الانتهاء من البناء، لافتة كبيرة وُضعت فوق باب السور الذي أنشأوه حول ارضي الخاصة بي كُتب عليها: " الشجرة .. مزار صحي وشفائي وسياحي ".

ــــ

القصة بصيغة المذكر

ـ[ضاد]ــــــــ[13 - 04 - 2008, 01:57 م]ـ

.. كانت تجيد إليه نساء الحقول بالطعام ظناً منهن أنه مجنون، وهو كان يرسم لحظة الجودة عليه.

نقول: تجود عليه

نقول: لحظة الجود عليه

وضع لوحته التي كان يرسم فيها

نقول: يرسمها

لولا خوفي من الناس أن يلقبونني بالمجنون مثله

نقول: أن يلقبوني

أن هذا الرسام عاداني بجنونه

نقول: عداني

وأنها لا تريد أن تكون لزوجاً مجنوناً؟

نقول: لزوج مجنون

وأدخلت مواضيعاً جديدة في مواضيع قديمة،

نقول: وأدخلت مواضيع

قول رأيك بكل صراحة أدي البداية من هنا الوصول أنت ستصبح من أغنياء البلد

نقول: هذه البداية

وُضعت فوق باب السور الذي أنشأوه حول ارضي

نكتب: أنشؤوه

أقصوصة جميلة أعجبتني جدا رغم البداية المغرقة في التفاصيل. أحسنت السرد والتصوير. موهبة لا بد من صقلها بالكتابة والقراءة. بوركت وسلمت.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير