تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ما شاء الله ... دائما وابدا وحبا في القران الكريم.

فتح الله لكم بالمزيد واعطاكم الاجر المزيد بالحسنى وزيادة.

ـ[ابن الشجري]ــــــــ[13 Jun 2008, 06:02 ص]ـ

كنت قد كتبت جوابا مطولا لسائل يهمني أمره عن مسائل سألها عن السلف وعبادتهم وعن الإمامة في الدين، وكلما تحينت تحريرها لأسعد بها بين إخواني، أستلبت مني الأيام بأحداثها مالم أعد أتدارك به الواجب من حق نفسي على نفسي، غير أني لما اطلعت على هذه الصفحة التي أعدها أخي، عددتها غنيمة اختلس بها لقلبي من قلبي مما جمعته في تلكم الرسالة، فلعل فيها مايصيب الغرض دون تصريح يخل بمرادي، إذ أخوي الكريمين المبجلين عندي من خلص الأساتذة النبهاء، ولسنا إلا من بعدهم في سوق طلاب العلم السعداء.

فكان ممايسر الله أن قلت يوم أن أصبح لنا قول نقوله!، نعوذ بالله من الجرأة على حرمات العلم بغير هدى على صراط مستقيم:

( ... وهنا مسألة مهمة، وهي أنك قل أن تعجب بعبادة أحد من أولئك القوم، إلا وتجد لعمله أصلا في الكتاب أو السنة، فكان الأحرى بالمسلم الاقتداء بالأصل الذي هو متعبد به.

وثم مسألة أهم، وهي أنك وأنت تطالع بعض تراجم الأخيار من العباد والأئمة، ترى ما يبهرك ويأخذ بمجامع لبك من همة عالية في العبادة ونحو ذلك، فتحاول أن تجاري القوم أو تلحق بركابهم، كأن تقرأ أن أحدهم حج فما رأته عين إلا وهو باك ساجد ... ، وأن أحدهم سمع الآية من كلام الله فخر مغشيا عليه ... ، أو أن بعضهم كان يصوم الدهر أو أكثره ... ، والبعض يقوم الليل كله بركعة واحدة ... ، وبعضم كان يختم القرآن في كل ليلة ختمة ... ، في مثل هذا ونحوه الشئ الكثير، فيبقى في نفسك حسرة تؤجر عليها عند الله جل في علاه، لأن هذا من التنافس في الخير، وهو كالبذرة الطيبة لابد وأن تؤتي ثمارها يوما، فنية المؤمن خير من عمله.

إلا أن الحق أن هذه الحسرة تزول عندما تعلم أن القدوة هو صاحب الشرع محمد صلى الله عليه وسلم، فزن أي عمل حتى لو كان من أعمال السلف بفعله صلى الله عليه وسلم، ثم أنظر لخاصة نفسك وما تستطيع القيام به، واعلم أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، وأن أحبها إليه أدومها وإن قل، ولاحظ أن من رغائب الشرع المطهر أن تنظر إلى نفسك وماتطيقه وهل ستديمه أم تقطعه، ثم اعلم بأن الثناء من الله تعالى متوجه لحسن العمل قبل الإكثار منه، وهذا أبو بكر رضي الله عنه كما قال بكر بن عبد الله المزني: أما إن أبا بكر لم يسبقهم بصلاة ولا بصوم ولاحج ولا زكاة ولكن بشئ وقر في قلبه، فرحمه الله ورضي عن تلك الشيبات الطاهرات من وجهه، وجمعني وإياك بهم في مستقر رحمته، وما أحراه بقول القائل:

وإني ضارب لك بمثال للتوضيح والتجلية:

فقد ذكر في ترجمة الفضيل بن عياض أنه كان يقرأ القران في صبيحة يوم من الأيام فسمعه ابنه وهو قائم يصلي خلفه فخر مغشيا عليه، فقلبوه فوجدوه قد مات، فهذه رقة في القلب ليس دونها من رقه، وسمو في الروح لا يعلوه سمو، لم تتحمل كلام الجبار في علاه لأنها وعت معناه فتساقطت وانحلت قواها، كما قال سبحانه عن الجبل والصخرة الصماء (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله .. ) وأين هي قلوبنا من عشر معشار هذه الحال، رحماك يا ألله.

ففي الحقيقة أنه أمر يعجبنا ونقف عنده وقفة إجلال واحترام، إلا أنا لو نظرنا نظرة علم لوجدنا أنه لم يكن هذا هدي محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو أكمل هدي، بل كان أمره كله وسطا، فكان يبكي صلى الله عليه وسلم عند سماع القرآن أحيانا، وأحيانا لا يبكي، وكان يصوم حتى يقال لا يفطر ويفطر حتى يقال لا يصوم، ويقوم من الليل ثلثه وربعه ونصفه وأوله وأوسطه وآخره وربما نام عليه الصلاة والسلام غير أنه لايدع الوتر، فكان هو الرحمة المهداه، وصدق الله القائل: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير