تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد يشكل هذا على غر فيقول: كيف يفعل القرآن بقلوب أمثال هؤلا مالم يفعله بقلب خير الخلق وصحبه من بعده، وقد مر معي كلام لابن القيم نسيت موضعه الساعه، إلا أنه رحمه الله أجاب على هذا الإشكال كعادته بمايبهر العقل فقال: بأن صدر محمد صلى الله عليه وسلم أتسع للقرآن ولمعانيه ولفرحه وأحزانه فكان صدره صلى الله عليه وسلم أوسع صدر بكلام ربه، فشرحه له حتى كان موضع امتنان منه سبحانه عليه صلى الله عليه وسلم، وأما أمثال هؤلا العباد ممن هذه حالهم فلم يكن فيها كل هذا القدر من الاتساع والانشراح، لهذا لم تحتمل معانيه عند فهما، فهو عليه الصلاة والسلام أكمل الناس علما وفهما وعملا بما أنزل عليه ـ أو قريبا من هذا التوجيه ـ فإلى الله المشتكى من ضيق صدورنا التي ليس فيها شئ من هذه الانشراح حتى تعقل كلام ربها. فلا سعه ولا فهم إلا عند من شرح الله صدره لكلامه تعالى.

والمسألة أُخيّ طويلة الذيل كبيرة النيل وخلاصتها:

أن الأمام المعتبر الذي في التأسي به النجاة، هو المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، وصحابته البررة الكرام تبع له فيما استقوه من هديه، وأما من جاء بعدهم من السلف الصالح وإن اتصف بصفة الإمام ـ التي توسع فيها كثيرا ـ فإن كان اتباعه مجردا دون دليل فإنه تقليد محض لا يحل إلا كما يحل الأكل من الميتة، إلا لمن كان مقلدا صرفا من عوام المسلمين لا تعلق له بالعلم، فقد ذكر ابن عبد البر رحمه لله إجماع العلماء على أن المقلد لا يعد من العلماء.

ويبقى الاستئناس بكلامهم وأفعالهم في بعض المسائل، فمثل المسألة التي أشرتم لها عن الإمام أحمد عندما سئل عنه، فأجيب بأنه غير موجود بالإشارة لراحة اليد، وهي قصة مشهورة أوردها غير واحد منهم ابن مفلح في الآداب، لم تكن فعلا مجردا من غير دليل، فقد كانت من التورية والتعريض المباحين، واللتان في مثلهما مندوحة عن الكذب، ولهذا الباب أصول كثيرة من الكتاب والسنة ليس هذا موضع تتبعها، كقصة إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام مع الملك عندما قال عن زوجه أنها أخته، يريد أخته في الإسلام، وكقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عندما سأله الأعرابي عن اسمه أو ممن هو قال: من ابن ماء السماء، وكما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يعزم على جهة غزوة إلا ورى بغيرها أو نحوا من ذلك، ومثل هذه المسألة يقاس عليها ... )

لعل في هذا القدر ماينبئ عن مرادي، ووالله لا أعلم هل الكتاب في مكتبتي أم ليس فيها، وإن كان أغلب الظن أنه ليس فيها، فقد ابتعدنا عن مخالطتها والأنس برَوحها ورياحينها ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولقد عدنا نشتري الكتاب مرة أو مرتين وثالثة أخرى، وهل آفة العلم إلا النسيان، وإلا فمن حق الكتاب وكاتبه ومحققه والسباق لنشر خبره أن نطالع الكتاب وتوطئته، حتى نشير إلى مافيه مماهو أبلغ من هذا القول أو نمسك، إلا أنا ندعو للميت ونستبيح الحي بأن يهبنا لنا، ويستبقي صالحنا بالغض عن سيئنا، وإني ضامن هذا من أخوي الكريمين، وعلى الله رابعنا.

ولولا استبقاء النفس ومغالبة النوم وكره التكثر، لاثرت مع إخواني أمرا ينازعني حول هذا العنوان الصارخ، الذي ينادي على نفسه بنفسه، وكأنه دلال في سوق الكتبيين ينادي بالشراء، فسبحان الواهب المعطي فإن من عناوين الكتب ماهو من ميامين الرزق، وإني لجازم أن الكثير قد دعي لدخول هذه المأدبة العلمية بدعوة منه، فنسأل الله من فضله.

فجر الجمعة. 8/ 6/1429

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[21 Jun 2008, 09:44 ص]ـ

بارك الله فيك يا ابن الشجري على هذه التعليقات.

وقد صدر الكتاب ولله الحمد عن مكتبة العبيكان، وأشكر أخي الدكتور ناصر المنيع الذي أهداني نسختين من تحقيقه للكتاب طبعة مكتبة العبيكان، وسأعطيك يا ابن الشجري إحداهما حين أراك بإذن الله.

http://www.tafsir.net/vb/imagehosting/6485ca0c80af9a.jpg

ـ[ابن الشجري]ــــــــ[22 Jun 2008, 05:21 ص]ـ

قد قبلنا قد قبلنا رحمك الله، ولك عندي مثلها إن شاء الله.

ـ[ناصر المنيع]ــــــــ[24 Jun 2008, 09:57 ص]ـ

أشكر لأخي الفاضل الدكتور عبدالرحمن متابعته القيمة ...... زاده الله علما واطلاعا فكم يفيدنا

وأشكره على تفضله بالدعاية المجانية للكتاب ...

وكلام أخي ابن الشجري نفيس مهم وهو أن الأصل هو حال الرسول صلى الله عليه وسلم وحال السلف مع القرآن الكريم ... ولا شك أن هذا مبحث نفيس تمنيت أن أقدم به الكتاب ...

ـ[ابن الشجري]ــــــــ[24 Jun 2008, 05:10 م]ـ

والله لتمنيك هذا دليل علمك وفضلك فلتهنأ بذلك ولتقر عينا ... ، فكل شئ يمكن استدراكه ما امتدت بك الأيام. ولي عودة إن شاء الله لكن وقتي لا يسعفني الساعه.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير