البصري، وغيرهم.
أنواع التفسير المسند
والتفسير المروي بالأسانيد على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: المرفوع:
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا قليلٌ، بل قال الإمام السيوطي رحمه الله في كتابه "الإتقان": (أصل المرفوع منه في غاية القِلَّة).
وقد جُمعت هذه المروياتُ مؤخراً، وقد توسَّع الجامع في هذا الباب، فوقع في جمعه شيءٌ من الخلط وعدم التحرير والتدقيق. وَجُل هذه المرويات تأتي بأسانيدَ ضعيفةٍ، وبعضها يأتي بأسانيدَ صحيحةٍ؛ منها ما هو مشهور في التفسير ومنها ما لا يعرف في التفسير.
وقد يأتي التفسير بعض كلام الله بالأسانيد المشهورة في الأحكام؛ كالأسود وعلقمةَ والنَّخعي عن عبد الله بن مسعود، وسعيد بن جبير عن ابن عباس، ونافع عن ابن عمر، ومن التفاسير ما هو دون ذلك شهرةً.
التفاسير الموقوفة
والنوع الثاني: الموقوف: وأشهر هذه التفاسير:
تفسير عبد الله بن عباس رضي الله عنه:
وهو مَنْ دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (اللهَّم عَلَّمْهُ التَأْوِيْل)، وهو الفيصل عند الصحابة، وأكثرُهم تفسيراً، وقد كان يعتمد على قوله عمر بن الخطاب، وكان يرجع إليه كثيرٌ من الصحابة إن استشكل عليهم شيءٌ من كلام الله.
كثرة الرواية لا تعني تفضيل العالم على غيره
وابن مسعود أبصر منه، مع كونه دونَه في التفسير كثرةً، وذلك لتقدُّم وفاته، وقلَّة المعتنين من أصحابه بالتفسير مقارنةً بابن عباس.
وكثرةُ الأثر المروي عن العالم لا تعني تميزه عن المُقِلِّ، وقد يشتهر عالم عند الناس في باب، ولا يشتهر آخر، فيظنُّ أن شهرتَه وكثرةَ قوله تُقدِّمه على غيره، وقد قال الشافعي - كما أسنده عنه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" -: الليث أفقهُ من مالك، إلا أن أصحابه لم يقوموا به.
وبنحوه قال يحيى بن بكير: الليث أفقه من مالك، لكن الحَظْوَةَ كانت لمالك.
ومن ذلك قول الشعبي لإبراهيم النخعي: إني أفقه منك حياً، وأنت أفقه مِني ميتاً، وذاك أن لك أصحاباً يلزمونك، فيُحْيُون علمك.
وينبغي أن يُعْلَم أن العلماء يعرفون بالنظر إلى معاني قولهم وحقائقه، لا بالكثرة ولا بالشهرة، فقد يُوفَّق الإنسان إلى أحد أصحابه لينقل قوله ويشْهِره، وقد لا يوفق الإنسان إلى أحد يرفع قوله. وثمة اعتبارات لهذا الأمر منها ما يكون ظاهرًا، ومنها ما يكون باطناً أمرًا غيبيًا أمره إلى الله، وقد يتعلق بقرائن الحال، وأمور الزمان، وما يحيط بالإنسان في وقته.
يقول ابن مسعود عن نفسه كما رواه البخاري ومسلم من حديث الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عبد الله، قال: ((والذي لا إله غيره، ما من كتاب الله سورةٌ إلا أنا أعلم حيث نزلت, وما من آية إلا أنا أعلم فيما أنزلت, ولو أعلم أحداً هو أعلمُ بكتاب الله مني تبلغُه الإبل لركِبْتُ إليه)).
وقال مجاهد بن جبر عنه، وهو قد عرض القرآن على ابن عباس ثلاث –وقيل ثلاثين- مرة، كما روى الترمذي بسند صحيح عن سفيان بن عيينة عن الأعمش، قال: قال مجاهد: لو كنتُ قرأت قراءة ابن مسعود لم أحتج إلى أن أسأل ابن عباس عن كثيرٍ من القرآن مما سألت.
ولتأخُّر وفاة ابن عباس، ولحاجة الناس إليه، انتشر قوله وكثُر تلاميذه، والمروي عن ابن عباس كثير، يقرب من ستة آلاف أثر، ولكثرة المروي عنه، وقع الغلط في نسبة بعض أقواله، وضبط بعض ألفاظه، ولذا قال ابن تيمية: ما أكثر ما يحرف قول ابن عباس ويَغلَط عليه.
تفسير ابن عباس وعنايته بلغة العرب وأشعارهم
وأكثر تفسيره احتجاج بلغة العرب، وأقوال الفصحاء من الشعراء وغيرهم، بخلاف ابن مسعود؛ فهو يعتني بالقراءات وأسباب النزول.
وجُل تفسير ابن عباس صحيح، وأما ما نقله البيهقي ومحمد بن أحمد بن شاكر القطَّان في "مناقب الشافعي" من طريق ابن عبد الحكم، قال: سمعت الشافعي يقول: لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلا شبيهٌ بمائة حديث، فيظهر أنه قصد ما قصده أحمد بقوله المتقدم: "ثلاثة ليس لها إسناد التفسير والملاحم والمغازي"؛ أي: لا يكاد يوجد فيها ما يسلم من علةٍ على طريقة التشديد، ولعله قصد المرفوع من حديثه.
* وأصحُّ المرويات عن عبد الله بن عباس:
- رواية مجاهد بن جبر عن ابن عباس:
¥