تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وخضعت لضرورات علم النقد الموضوعي (بأن يضع الناقد الأشياء في موضعها بعد العلم بها كما هو في الواقع، وكما يجب أن يكون بقصد تحري الحقيقة كما هي وإظهارها بإنصاف دون تلبيس، لأن الإنصاف من ضرورات سلامة البحث. وبالرجوع إلى الأسباب التي أوردها الأستاذ الدكتور بشار عواد في التعقيبات فإننا نقول في هذه الأسباب حسب ترقيمها عنده: أولاً: إن الملاحظة التي استشهد بها الباحث بقوله: "فكثير من النسخ الخطية قد نُسبت غلطاً إلى مؤلفين معينين، ثم تبين بعد البحث والتقصي خطأ تلك النسبة" هذه الملاحظة رغم صحتها عموماً، إلا أنها لا تصلح للاستشهاد في هذا الموضع، بأن نسبة التفسير الكبير للإمام الطبراني هي نسبة خاطئة ومغلوطة، لأنه قياس في غير موضعه من جهة، ومن جهة أخرى فلا يملك أحد مطلقاً أن ينفي هذه النسبة المذكورة من الناسخ في النسخة الفريدة الموجودة بين أيدينا، إلا بدليل نفي معقول وممكن. وغير ذلك فهو عمل غير لائق بأهل العلم، وعلى هذا فإن الراجح نسبة الكتاب للإمام الطبراني كما هو في أصل المخطوط، حيث إن الآثار تدل على ذاتها وتنسب إلى صفتها، وهذا المخطوط يعزو نفسه إلى الإمام الطبراني كما هو مدون عليه، فالأصل أن تبقى هذه النسبة وتعزز بهذا الأثر، ما لم يأت دليل مقنع يدحضها، استصحاباً للحال المذكور، فيبقى الأصل على ما وثق، والأمور تقوم بشواهدها، والأخبار تصدق بشهودها، وما نقل إلينا من هذه المخطوطة عن طريق النسخة الواحدة الفريدة تدل على نسبة الكتاب للإمام الطبراني.

ثانياً: لا أحد ينكر أن الإمام أبي القاسم الطبراني معروف أنه من كبار المحدثين الملتزمين بذكر الأحاديث والأخبار بأسانيدها. وهو أمر ظاهر في معاجمه الثلاثة ومسانيده المعروفة وهي كثيرة، ولكن المعروف أيضاً أن هذه الكتب المذكورة كلها تبحث في علم الحديث، وعلم الحديث منهجه الإسناد كما هو معروف، فلا يجوز لأي محدث أن يغفل عن الأسانيد كونها منهج أساس في هذا العلم، (وكتاب التفسير الكبير) ليس كتاب (حديث) وإنما هو كتاب (تفسير للقرآن العظيم) ومنهجه البيان لا الأسانيد. فمنهج العلوم كل حسب أصوله: فمنهج الحديث غير منهج الفقه، وغير منهج التفسير، فمنهج الحديث يقوم على أساس الإسناد والمتن، فيدخل فيه علم الرواية، وعلم الرجال وشروط الراوية والراوي ومراتبهم، والمتون وخصائصها، فكل ذلك يقوم على أساس الإسناد.

وأما منهج الفقه فإنه يقوم على أساس الاستدلال وأوجه الدلالة للنص، فيدخل فيه علم اللغة، وأساليب العربية، وأوجه الدلالة واحتمالاتها ومطابقتها للواقع بعد تحقيق مناطها. وأما منهج التفسير فإنه يقوم على أساس البيان، لأن التفسير من فسر وهو البيان، والتفسير هو بيان المراد باللفظ، وقد اختصت كلمة التفسير عند الإطلاق ببيان آيات القرآن. وما يقرب المعنى إلى الأذهان بإظهار المعنى المعقول على قصد مراد الشارع، بما يزيل الإبهام الذي ربما يعلق في الأذهان عند سماع الخطاب، فيرتبط التفسير بتكوين المعنى في الذهن بما يخدم في فهم النص والوعي عليه. وقد يكون البيان بواسطة المأثور عن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الطيبين والتابعين لهم بإحسان.

وقد يحصل التأثر للفقيه أو المفسر أو المحدث، وتتداخل المناهج عند البحث الشرعي، فنرى الفقيه مثلاً يورد الأسانيد كاملة للحديث، ومن ثم يستدل بالحديث على المسألة الفقيه من حيث وجه الدلالة، ومطابقتها للمسألة، فسلسلة الأسانيد لهذا الحديث ليس لها علاقة من حيث أوجه الدلالة وإنما علاقتها توثيق الصلة بالوحي بحسب درجة هذه الصلة من حيث الصحة والحسن والضعف، وكذلك المفسر فإنه قد يأتي بالأسانيد لتوثيق الصلة بالمأثور فقط وليس له علاقة بالبيان من حيث هو إسناد ولأن البيان يكون أحياناً باللغة أو بقول مفسر آخر، أو بقول المفسر نفسه، فمنهج التفسير هو البيان والإفصاح عن المعنى والدلالة، وحين يتحقق البيان للخطاب المسموع تتحقق الغاية المقصودة من مراد الشارع. فلذلك قد يتداخل عند البحث الفقهي ويتواصل مع الحديث أو التفسير ولكن هذا لا يعني عدم إمكان الفقيه بالاستقلال في منهج النظر في الموضوع بحسب أصوله في العلم الشرعي تفسيراً أو حديثاً أو فقهاً، فمثلاً: نجد الإمام ابن حجر في شرح صحيح البخاري يسلك

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير