تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهو سبحانه يقسم على هذه الأمور الثلاثة، ويقررها أبلغ التقرير، لحاجة النفوس إلى معرفتها، والإيمان بها، وأمر رسوله أن يقسم عليه، كما قال تعالى: ? وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ ? (يونس: من الآية53)، وقال تعالى: ? وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ ? (سبأ: من الآية3) وقال تعالى: ? زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ? (التغابن:7). فهذه ثلاثة مواضع لا رابع لها، يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقسم على ما أقسم عليه هو سبحانه من النبوة، والقرآن، والمعاد.

فأقسم سبحانه لعباده، وأمر أصدق خلقه أن يقسم لهم، وأقام البراهين القطعية على ثبوت ما أقسم عليه، فأبى الظالمون إلا جحوداً وتكذبياً.

واختلف في النفس المقسم بها ههنا، هل هي خاصة أوعامة؟ على قولين بناء على الأقوال الثلاثة في اللوامة.

فقال ابن عباس: كل نفس تلوم نفسها يوم القيام، يلوم المحسن نفسه أن لا يكون ازداد إحساناً، ويلوم المسيء نفسه أن لا يكون رجع عن إساءته. واختاره الفراء؛ قال: ليس من نفس، برة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها، إن كانت عملت خيراً قالت: هلا ازددت خيرا ً، وإن كانت عملت سوءاً قالت: يا ليتني لم أفعل.

والقول الثاني: أنهاخاصة. قال الحسن: هي النفس المؤمنة، وإن المؤمن - والله- لاتراه إلا يلوم نفسه على كل حالة، لأنه يستقصرها في كل ماتفعل، فيندم ويلوم نفسه، وإن الفاجر يمضي قدماً، لا يعاتب نفسه.

والقول الثالث: أنها النفس الكافرة وحدها. قاله قتاده ومقاتل. وهي النفس الكافرة تلوم نفسها في الآخرة على مافرطت في أمر الله.

قال شيخنا: والأظهر أن المراد نفس الإنسان مطلقاً. فإن نفس كل إنسان لوامة، كما أقسم بجنس النفس في قوله: ? وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ?؛ فإنه لابد لكل إنسان أن يلوم نفسه، أوغيره على أمره. ثم هذا اللوم قد يكون محموداً وقد يكون مذموماً، كما قال تعالى: ? فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ. قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ ? (القلم:30 - 31)، وقال تعالى: ? يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ? (المائدة: من الآية54)؛ فهذا اللوم غير محمود.) [التبيان ص28 - 29]

النموذج الثاني: عند تفسيره لسورة التين، وإيضاحه لمعنى القسم فيها، بيّن في أثناء ذلك المراد بأسفل السافلين في قول الله تعالى: ? ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ? (التين:5) قال رحمه الله: (والصحيح أنه النار. قاله مجاهد، والحسن، وأبو العالية. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: هي النار بعضها أسفل من بعض.

وقالت طائفة، منم قتادة، وعكرمة، وعطاء، والكلبي، وإبراهيم: أنه أرذل العمر، وهو مروى عن ابن عباس.

والصواب القول الأول لوجوه

(أحدها) أن أرذل العمر لايسمى أسفل سافلين، لا في لغة ولاعرف، وإنما أسفل سافلين هو سجين الذي هو مكان الفجار، كماأن عليين مكان الأبرار.

(الثاني) أن المردودين إلى أسفل العمر بالنسبة إلى نوع الإنسان قليل جداً، فأكثرهم يموت ولا يرد إلى أرذل العمر.

(الثالث) أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يستوون هم وغيرهم في رد من طال عمره منهم إلى أرذل العمر؛ فليس ذلك مختصاً بالكفار، حتى يستثنى منهم المؤمنين. (الرابع) أن الله سبحانه لما أراد ذلك لم يخصه بالكفار بل جعله لجنس بني آدم، فقال: ? وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً ? (الحج: من الآية5) فجعلهم قسمين: قسماً متوفى قبل الكبر، وقسماً مردوداً إلى أرذل العمر، ولم يسمه أسفل سافلين.

(الخامس) أنه لاتحسن المقابلة بين أرذل العمر، وبين جزاء المؤمنين، وهو سبحانه قابل بين جزاء هؤلاء وجزاء أهل الإيمان. فجعل جزاء الكفار أسفل سافلين. وجزاء المؤمنين أجراً غير ممنون.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير