تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فضلاً عن الآيات المتعلقة بالطبيعيات، وكان بعض المفسِّرين يتكلَّف ـ أحياناً ـ في تأويل ظاهر الآيات الكريمة، ليؤكد قبوله أو رفضه للرأي الفلسفي، وهذا يؤيد عدم معارضتهم للفلسفة من حيث إنها بحث عقلي، ومحاولة لفهم الحقائق كما هي عليه في نفس الأمر.

رابعاً: كان للفلسفة أثر واضح في إعمال الرأي والعقل في كثير من التفاسير، وقد اشتُهِرَتْ تلك التفاسير بالتفسير بالرأي، كتفسير الرازي والآلوسي، وذلك بخلاف التفاسير التي اشتهرت بالتفسير المأثور، كتفسير الطبري وابن كثير. والتفسير بالرأي ليس على إطلاقه، بل له شروط وضوابط؛ لأن التفسير بمجرد الرأي حرام باتفاق المفسِّرين، ورد النهي عنه في القرآن الكريم والسنة المطهرة.

وأثر الفلسفة في إعمال العقل يعد أثراً غير مباشر، أما أثرها المباشر فيتمثل في عرض ومناقشة آراء الفلاسفة أنفسهم، وهذا الأثر على نوعين: الأول: الأثر الإيجابي ويتمثل في رفض الرأي الفلسفي المخالف للنص. والثاني: الأثر السلبي ويتمثل في قبول الرأي الفلسفي، وتأييده بتأويل ظاهر النص. وهذا النوع ـ أعني الأثر السلبي ـ كان محدوداً بالنسبة إلى كمية التفاسير التي بين أيدينا.

خامساً: أثبتت هذه الدراسة أن بعض المفسِّرين بحثوا أغلب المسائل الفلسفية بحثاً عقلياً فلسفياً، ولكن كان ذلك في مواضع متفرقة في تفاسيرهم، وقد جمعتْ هذه الدراسة تلك المواضع، ورتبتها الترتيب المذكور في خطة البحث، مما مَكَّن من إبراز موقف متكامل لدى أولئك المفسِّرين من القضايا الفلسفية.

سادساً: أثبتت هذه الدراسة رفض أكثر المفسِّرين لرأي الفلاسفة في المسائل الإلهية، وإذا ذكر أحد المفسِّرين رأياً لهم فإنما يذكره ليكر عليه بالبطلان، وهذا نوع من التأثر، ولكنه تأثر إيجابي كما قلت، حيث كان المفسِّر يرى أن من واجبه أن يدفع عن كتاب الله تعالى زيغ المضلين، وتأويل المبطلين.

سابعاً: قد تأثر بعض المفسِّرين تأثراً سلبياً بما قاله الفلاسفة في المسائل الإلهية، ابتداء من الحديث عن الوجود والماهية، فرأوا أن وجود الله تعالى عين ماهيته، ورأوا أن ماهيات الأشياء ثابتة أزلاً، غير مجعولة. ثم تحدثوا عن أدلة وجود الله تعالى، فاستدلوا بأدلة الفلاسفة في إثبات وجوده I، كدليل الإمكان والحركة، ورأوا في تفسيرهم لبعض الآيات الكريمة ما يشير إلى هذه الأدلة. وكذلك تأثروا بما قاله الفلاسفة في حديثهم عن الصفات الإلهية، فقد قسَّموا الصفات إلى قسمين: صفات سلبية، وصفات ثبوتية، ورأوا أن صفاته I هي عين ذاته.

ثامناً: أثبتت هذه الدراسة تأثر كثير من المفسِّرين بما قاله الفلاسفة عن الأفلاك والكواكب وحركاتها، وأكثر ما قالوه قد أثبت العلم الحديث (التجريبي) بطلانه.

تاسعاً: أثبتت هذه الدراسة تأثر أغلب المفسِّرين بالمسائل المتعلقة بالنفس الإنسانية من حيث التعريف بها، والحديث عن قواها، وفضائلها الخُلُقية.

عاشراً: أثبتت هذه الدراسة أن بعض المفسِّرين تأثر بالفلسفة من حيث استعمال المصطلح الفلسفي، كواجب الوجود، وممكن الوجود، والمبدأ الأول، والعقل الأول، والصدور والفيض، وعالم الصور والمثل… إلخ.

حادي عشر: استعمل بعض المفسِّرين علم المنطق، وخاصة الأقيسة المنطقية، كالقياس الاستثنائي، والقياس التمثيلي، ولكن لم يكن هذا الاستعمال بارزاً في التفسير، كما هو شأن الفلسفة ومصطلحاتها.

ثاني عشر: أثبتت هذه الدراسة أن الأثر الفلسفي لم يكن محصوراً بفترة زمنية معينة مضت وانتهت، وإنما كان ممتداً إلى كتب التفسير المعاصرة.

ثالث عشر: ثبت لنا من خلال هذا البحث أن تفسير الرازي كان هو المصدر الأول الذي أفاد منه جمهور المفسِّرين الذين جاؤوا من بعده، فتأثروا به تأثراً واضحاً، وهذا الأثر لا يقتصر على مسائل الفلسفة فحسب، بل له امتداد واسع في كثير من المسائل، وهذا موضوع يستحق البحث والدراسة، فأوصي الباحثين بالالتفات إليه.

رابع عشر: لاحظتُ من خلال جمع المادة العلمية لهذه الدراسة أن للكلام والتصوف أثراً واضحاً في التفسير أيضاً، قد يفوق الأثر الفلسفي بكثير، فأوصي الباحثين بدراسة أثر الكلام والتصوف في التفسير، لتكتمل بذلك جوانب التأثيرات الفكرية في التفسير.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير