12 - قد يتجاذب النصين دلالتان، وفي كلٍ من الدلالتين ما يُوهِمُ معارضة الدلالة الأخرى، فيظن الناظر أن هذا تعارض بين النصوص الشرعية، لكن عند التحقيق يتبين ضعف أحد الدلالتين، مما يؤكد أهمية معرفة دلالات النصوص الشرعية، وأهمية التفريق بينها.
13 - اشتهرت عند عامة المفسرين والفقهاء قاعدة «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب»، وهذه القاعدة في نظري ينبغي تقييدها فيقال بالعموم إلا أن يأتي دليل على التخصيص؛ وقد قرر ذلك بعض الأئمة بأنه لا مانع من قصر اللفظ العام على سببه، لدليل يوجب ذلك.
14 - أن النص الشرعي قد يرد على سبب خاص، وقد يرد ابتداء من غير سبب، فإذا تعارضا في العموم فإن عموم النص الوارد ابتداء من غير سبب، أقوى وأولى بالتقديم من عموم النص الوارد على سبب خاص.
15 - أنَّ قصر بعض أفراد العام على سببه، أولى من قصر جميع أفراده على سبب النزول؛ إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
16 - أن دعوى الإجماع لا بُدَّ وأن يكون لها مستند من كتاب أو سنة، وأنْ لا تخالف شيئاً من النصوص، وغالباً ما يُحكى الإجماع ولا تجد له أصلاً، أو يكون أصله مختلفاً في حجيته، وتحقق ثبوت الإجماع عزيزٌ قَلَّ أنْ يثبت.
17 - أن الإمام مسلم قد يروي حديثاً مشكلاً في صحيحه، فيظن الناظر لأول وهلة أن الحديث صحيح، لكنه عند التحقيق يتبين أن الإمام مسلم رواه بالمتابعات لا في الأصول، وما رواه بالمتابعات ليس هو في درجة ما رواه في الأصول من حيث القوة، كما نص على ذلك الأئمة، وعليه فينبغي التفريق في العزو بين ما رواه في الأصول وما رواه بالمتابعات، ليتميز الحديث قوة وضعفاً.
18 - يُعد موضوع فقه الخلاف ومنهج التعامل مع المخالف من الموضوعات التي لم تحظ بعناية كبيرة من قبل العلماء، من حيث الدراسة والتقعيد والتنظير، وهو جدير بالدراسة والتأصيل، وفي أثناء دراستي لبعض نقاشات الصحابة، وتعقب بعضهم البعض، رأيت دقة فهمهم، وسلامة صدورهم، واحترامهم للرأي الآخر، فهذه عائشة رضي الله عنها حينما ذُكِرَ عندها أن ابن عمر رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ» قَالَتْ: وَهَلَ؛ إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ لَيُعَذَّبُ بِخَطِيئَتِهِ وَذَنْبِهِ، وَإِنَّ أَهْلَهُ لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ الْآنَ». قَالَتْ: وَذَاكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَلَى الْقَلِيبِ، وَفِيهِ قَتْلَى بَدْرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ؛ فَقَالَ لَهُمْ مَا قَالَ: «إِنَّهُمْ لَيَسْمَعُونَ مَا أَقُولُ»، إِنَّمَا قَالَ: «إِنَّهُمْ الْآنَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّ مَا كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ حَقٌّ»، ثُمَّ قَرَأَتْ: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} و {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ}».
فهذه عائشة قد أنكرت على ابن عمر قوله، على علم ومسمع من الصحابة، ومع علمهم وسماعهم لحديث ابن عمر، ولم نجد أحداً منهم شنَّع على عائشة أو رماها بسوء، مما يؤكد تحلي الصحابة رضوان الله عليهم بالأدب الجم في التعامل مع المخالف، وسلامة صدورهم واحترام بعضهم البعض، وإن مما ابتليت به الأمة في هذه الأزمنة ضيق العطن وعدم قبول رأي الآخر، والتشنيع على المخالف وإن كان له مستند من دليل شرعي، مما أوغر الصدور وزاد في الفرقة، والله المستعان.
19 - من خلال الدراسة لم أقف بحمد الله على نصين متعارضين استحال الجمع بينهما، أو نص مشكل استحال حل إشكاله، وهذا مما يؤكد قطعية النصوص الشرعية، وأنها حق من عند الله تعالى، لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وإن رام الأعداء هدم هذا الدين، والنيل منه، إلا أن الله متم نوره ولو كره الكافرون.
20 - أن معرفة مقاصد الشريعة يعد من الأهمية بمكان، بل هو الفقه الحقيقي، وأما النظر المجرد في النصوص الشرعية دون إلمام بمقاصدها ففيه قصور يوقع الفقيه في حيرة وتناقضات، وربما قاده فهمه الخاطئ إلى انحراف في السلوك أو الاعتقاد.
¥