*لأنه مصطلح عظيم خطير، ارتبط بكلام الله ذي الجلال، وبكلام الإنسان، ووحي الشيطان، وندت عنه أمور وأشياء ... ، لها تعلقات بكل خير وصلاح، وكل شر وفساد، وكل ثواب وعقاب، ولها تنزلات في كل مكان وزمان وكيان؛ ولا غرو فإن الأمر لشريعة الأكوان كالمفتاح للشفْرات، ولدين الإسلام كالأس للبناء، وللشيطان أصل الإغواء، وللإنسان في الامتثال أو العصيان سبيل النجاة أو الهلاك ...
ومن هنا، تتجلى أهمية مفهوم الأمر وخطورته في فتح باب نوراني يوصل إلى العلم بالله وكلامه وكمالاته، والعلم بالكون ووظائفه وأعماله، والعلم بالإنسان وأقواله وأفعاله وأحواله، والعلم بالشيطان ووساوسه وخطراته. ومن ثم تتبين الحاجة الشديدة إلى تَبيُّن عناصر هذا المفهوم وضبط مكوناته، وتحليل المفاهيم المرتبطة به، المجلية لسماته ومقوماته وامتداداته؛ "كالقضاء"، و"القدر"، و"الإرادة"، و"التكليف"، و"الوحي"، و"الدين"، و"الوسوسة"، و"التزيين"، وغير ذلك ...
*لأنه مفهوم هبت عليه أعاصير التغيير والتبديل، وحامت حوله أباطيلُ وأقاويلُ، وكثر فيه التنازع والتفريق، سواء على مستوى التصور، أو على مستوى التطبيق، قبل زمن التنزيل، أو بعد إقصاء شريعة الإسلام عن التنفيذ؛ ومِثل ذلك خلْط أقوام بين دلالة الأمر التكوينية ودلالته التكليفية، وإثارة آخرين لشبهات حول مسألة الأمر التكليفي: هل هو مستلزم للإرادة الكونية أم لا؟
ومن هاهنا، كان لا بد من التشمير لبيان الحق الأصيل في مفهوم الأمر، من أجل هدم الباطل الدخيل من المفاهيم، وكان لا بد من تأسيس هذا البيان على النظر في كل ما في القرآن من الأمر، لا في"بعض الأمر"، ثم النظر فيما يوافقه من السنة والخبر الصحيح، وما يؤيده من البيان العربي الظاهر الصريح. وذلك أقوم قيلا في تصحيح الفهم، ووزنه بميزان الحق، وأهدى سبيلا إلى تجديد الدين، وتنفيذ أوامره كاملة في واقع المسلمين.
*لأني لم أجد - فيما أعلم - من المتقدمين والمتأخرين، وأنا بصدد التمهيد لهذه الدراسة، من وفى هذا المصطلح من البيان والتبيين حقه، فدقق درسه، وبين حده ووصفه، وكشف نظمه ورصفه، واستقصى غوره وعمقه، ومده وجزره. كيف؟ ولم يمتلك مفتاح المفاتيح للدرس المصطلحي العميق، وهو منهج الدراسة المصطلحية ... وإن نظرة وجيزة في جل ما أنجز في القديم والحديث حول مفهوم الأمر لتكشف عن غياب هذا المنهج الجديد، وتدعو إلى دراسة علمية منهجية لهذا المفهوم في القرآن الكريم؛ دراسة ترنو إلى استيعاب جهود المتقدمين والمتأخرين، وتقويمها، وتوظيفها توظيفا صالحا لأن يعين على تقديم فهم شامل لهذا المصطلح الجليل
3 - محاولة الإسهام في تجريب منهج جديد أصيل، هو منهج الدراسة المصطلحية، المرشح باقتدار لضبط مصطلحات القرآن الضبط التام، وتحقيقِ مقاصده العلمية والعملية بمنتهى الإحسان، ولعل اختيار مفهوم الأمر المتشعب الحجم، والاجتهادَ في تطبيق هذا المنهج على دراسته وعرضه، أن يسهم في التفقيه المنهجي، النظري والعملي في المصطلح عامة، والمصطلح القرآني خاصة، ويعينَ على توضيح خصوصية هذا المفهوم المنهجية، في الدرس والعرض، ويُيسر لمنهجه البكر طورا من النمو والنضج, وقدرا من التداول بين الدارسين بأقل كبد وجهد.
منهجه:
إن المنهج المتبع في هذه الدراسة له أصول إجمالية تُستمد من روح المنهج الوصفي المطعم بالمنهج التاريخي، وله إجراءات تفصيلية تُطبق على كل مصطلح مدروس، و تتلخص هنا في مرحلتين:
الأولى: مرحلة الدراسة، وتنتظم الخطوات التالية:
1 - إحصاء المصطلح وما يتصل به، وقد شمل إحصاءَ آياته، وصيغه، وتراكيبه وقضاياه، ثم إحصاء الأحاديث الصحيحة التي ورد بها، والتعاريف والشروح المختلفة التي شُرحت بها نصوصه.
2 - تصنيف النصوص، واتجه إلى الآيات والأحاديث المتضمّنة للأمر بحسب الصيغ الصرفية والتركيبية، ثم إلى الشروح اللغوية، والتفسيرية، والحديثية، وغيرها من الكتب الدارسة للمفهوم.
¥