في التفسير ". و الطريق الآخر: يرويه جبارة بن المغلس: حدثنا أبو شيبة
إبراهيم بن عثمان عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا: " اغزوا تغنموا بنات
الأصفر ". فقال ناس من المنافقين: إنه ليفتنكم بالنساء! فأنزل الله عز وجل
* (و منهم من يقول ائذن لي و لا تفتني) *. أخرجه الطبراني أيضا في " الكبير "
(11/ 63 / 11052)، و أعله الهيثمي بقوله: " و فيه أبو شيبة إبراهيم بن
عثمان، و هو ضعيف ". قلت: و قلده الهدام، و هذا منه على خلاف عادته و هدمه
، فإنه ينطلق فيه إلى تبني أسوأ ما قيل في الراوي، و لو كان مرجوحا، و ما هنا
على العكس تماما، فإن الراجح في أبي شيبة هذا أنه متروك، كما في " الكاشف " و
" التقريب " و غيرهما، فما هو السبب يا ترى؟ و الجواب: هو التقليد حين لا
يهمه الأمر، و إلا اجتهد، و لو خالف الأئمة الأوتاد! و إن مما يؤكد ما ذكرت
أنه فاته أن الراوي عنه جبارة بن المغلس ضعيف أيضا كما قال الذهبي و العسقلاني
، بل كذبه بعضهم. فالإسناد شديد الضعف لا يستشهد به. و إن مما يؤكد ذلك أن
المحفوظ عن مجاهد مرسل، أخرجه ابن جرير في " تفسيره " (10/ 104) من طريق
عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله: * (ائذن لي و لا تفتني) *. قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اغزوا تبوك تغنموا بنات الأصفر و نساء
الروم ". فقال الجد: ائذن لنا، و لا تفتنا بالنساء. قلت: و هذا إسناد صحيح
مرسل عن مجاهد، و هو شاهد قوي لحديث ابن عباس، فإنه من تلامذته، ممن تلقوا
التفسير عنه، و ابن أبي نجيح اسمه عبد الله، قال الذهبي في " الميزان ": "
صاحب التفسير، أخذ عن مجاهد و عطاء، و هو من الأئمة الأثبات. و قال يحيى
القطان: لم يسمع التفسير كله من مجاهد، بل كله عن القاسم بن أبي بزة ". قلت
: و القاسم هذا ثقة احتج به الشيخان. و ذكر المزي في ترجمة ابن أبي نجيح أن
الشيخين أخرجا له عن مجاهد. و تابعه ابن جريج عن مجاهد. أخرجه ابن جرير أيضا
. و هو في " تفسير مجاهد " المطبوع على نفقة الشيخ خليفة أمير دولة قطر (ص 281
) من الطريق الأولى عن مجاهد، لكن في السند إليه متهم فهو - ككتاب - بحاجة إلى
دعم، لكن هذا الحديث منه مدعم برواية ابن جرير هذه، فتنبه. (تنبيه): أخرج
عبد الرزاق في " تفسيره " (1/ 2 / 277) من طريق الكلبي في تفسير الآية
المتقدمة * (ائذن لي .. ) * نحو حديث الضحاك عن ابن عباس، و الكلبي متهم بالكذب
، و ما كنت لأذكره هنا إلا لأنبه على مصيبة من المصائب التي لا يعرفها المسلمون
، و بخاصة المثقفين منهم، و ذلك لغلبة المادة عليهم سمعة أو مالا أو نحو ذلك،
فقد علق على هذا الحديث محققه الدكتور (مصطفى مسلم محمد)، فقال، و بئس ما
قال: " رواه أحمد ج6 ص 22، ج5 ص 25، و ابن ماجه في الفتن 25 "! و هذا
التخريج لا يصلح لهذا الحديث البتة، و إنما هو لحديث آخر من رواية عوف ابن
مالك رضي الله عنه في أشراط الساعة، و فيه قوله صلى الله عليه وسلم: " ثم
يأتيكم بنو الأصفر .. "! فكيف وقع هذا الخلط من مثل هذا الدكتور؟ و ليس هذا
خطأ مطبعيا كما يقع أحيانا، و إنما هو - و الله أعلم - أن الدكتور رجع إلى بعض
الفهارس الحديثة، فوجد فيه لفظ " الأصفر " معزوا إلى أحمد و ابن ماجه، فعزاه
إليهما! و هذه والله مصيبة الدهر، و مما زاد في الطين بلة أن الرقم الثاني (
5/ 25) ليس فيه حتى هذا اللفظ! و هذا مما يؤكد أنه نقله من (الفهرس) كما
وجده، و لم يكلف نفسه أن يرجع إلى مكان الحديث المشار إليه بالرقم: هل هو
الحديث الذي أشير إليه بالرقم الأول، أم غيره؟ و الله المستعان، و إنا لله و
إنا إليه راجعون. ثم رأيت الحافظ في " الإصابة " عزا حديث الضحاك لأبي نعيم و
ابن مردويه، ثم قال: " و رواه ابن مردويه من حديث عائشة بسند ضعيف أيضا، و
من حديث جابر بسند فيه مبهم ". قلت: فالظاهر أن إسناده عن جابر غير إسناده
عند ابن أبي حاتم، لأنه ليس فيه - كما رأيت - المبهم. و الله أعلم.