تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين عند حديثه عن أنواع التوسل: [النوع الرابع: أن يتوسل إلى الله بدعاء من ترجى إجابته كطلب الصحابة رضي الله عنهم من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لهم مثل قول الرجل الذي دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: ادع الله أن يغيثنا؛ وقول عكاشة بن محصن للنبي صلى الله عليه وسلم: ادع الله أن يجعلني منهم.

وهذا إنما يكون في حياة الداعي، أما بعد موته فلا يجوز؛ لأنه لا عمل له: فقد انتقل إلى دار الجزاء؛ ولذلك لما أجدب الناس في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستسقي لهم؛ بل استسقى عمر بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: قم فاستسق؛ فقام العباس فدعا، وأما ما يروى عن العتبي أن أعرابياً جاء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً} وقد جئتك مستغفراً من ذنوبي مستشفعاً بك إلى ربي) وذكر تمام القصة؛ فهذه كذب لا تصح؛ والآية ليس فيها دليل لذلك؛ لأن الله يقول: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم} ولم يقل: (إذا ظلموا أنفسهم) و (إذ) لما مضى لا للمستقبل؛ والآية في قوم تحاكموا أو أرادوا التحاكم إلى غير الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كما يدل على ذلك سياقها السابق واللاحق.] التوسل حكمه وأقسامه ص 22 - 23.

وخلاصة الأمر أنه لا يجوز أن يقال [يا رسول الله استغفر لي أو يا رسول الله ادع لي] سواء أكان ذلك عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو في أي مكان آخر.يسألونك (10/ 11 - 12).

ومما يلحق بهذه المسألة طلب الشفاعة من الرسول صلّى الله عليه وسلم وغيره بعد موته وطلبها أيضاً من الأحياء وهذا لا يجوز لما يلي:

- أن الله تعالى أخبر أن الشفاعة جميعها له {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (الزمر 44)، فمن طلبها من غير الله، فقد طلبها ممن لا يملكها فطلبها ممن هي له في دار العمل عبادة من جملة العبادات، وصرف ذلك الطلب لغيره وسيلة إلى الشرك – وقد تكون شركاً- ومن تدبر آيات الشفاعة حق التدبر، علم علماً يقينياً أنها لا تقع إلا لمن أخلص أعماله كلّها لله واتبع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من توحيده وشرائع دينه، فليس لله من عمل عبده إلا الإخلاص. فالعقل الصريح يقضي، ويحكم بما يوافق النقل بأن النجاة والسعادة والفلاح وأسباب ذلك كله لا تحصل إلا بالتوجه إلى الله تعالى وحده، وإخلاص الدعاء، والالتجاء له؛ لأن الخير كله بيده، وأما المخلوق فليس في يده من هذا شيء كما قال تعالى: ?ما يملكون من قطمير? فتسوية المخلوق بالخالق خلاف العقل كما قال تعالى: ? أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون ? فالذي له الخلق، والأمر، والنعم كلها منه، وكل مخلوق فقير إليه لا يستغني عنه طرفة عين، هو الذي يستحق أن يدعى ويرجى ويرغب إليه ويرهب منه … وفي الحديث قال النبي عليه الصلاة و السلام: " يامعشر قريش ... اشتروا أَنفسكم .. لا أَغني عنكم من الله شيئا , يا بني عبد مناف لا أَغني عنكم من الله شيئ , ياعباس بن عبدالمطلب لا أَغني عنك من الله شيئا , يا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أَغني عنك من الله شيئا " رواه البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

- إن المتخذ للشفعاء والأنداد، إما أن يظن أن الله سبحانه يحتاج إلى من يدبر أمر العالم معه من وزير أو ظهير، وهذا أعظم التنقص لمن هو غني من كل ما سواه بذاته، وكل ما سواه فقير إليه بذاته، وإما أن يظن أن الله سبحانه إنما تتم قدرته بقدرة الشفيع، وإما أن يظن أنه لا يعلم حتى يعلمه الشفيع، أو لا يرحم حتى يجعله الشفيع يرحم، أو لا يجيب دعاء عباده حتى يسألوا الشفيع أن يرفع حاجتهم إليه كما هو حال ملوك الدنيا وهذا أصل شرك الخلق ... وحقيقة أمر الشفاعة، أن الله سبحانه هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص، فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع ليكرمه، وينال المقام المحمود، فهذا هو حقيقة الشفاعة، لا كما يظن المشركون والجهال أن الشفاعة هي كون الشفيع يشفع ابتداء فيمن شاء، فيدخله الجنّة، وينجيه من النار.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير