وقد أقسم الله تعالى بنفسه الكريمة المقدسة: أنه لا يؤمن أحد حتى يُحَكِّم الرسول - صلى الله عليه وسلم - في جميع الأمور فقال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء:65]، قال قال الإمام أبو جعفر الطبري شيخ المفسرين: "فليس الأمر كما يزعمون: أنهم يؤمنون بما أنزل إليك، وهم يتحاكمون إلى الطاغوت، ويصدّون عنك إذا دُعُوا إليك يا محمد، واستأنف القَسَم جل ذكره؛ فقال: {وربك}، يا محمد {لاَ يُؤْمِنُونَ}، أي: لا يصدقون بي وبك وبما أنزل إليك {حتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمُ}، يقول: حتى يجعلوك حكماً بينهم فيما اختلط بينهم من أمورهم، فالتبس عليهم حكمه".
ولقد قام علماءٌ أجِلاَّء معروفون بالعلم والصلاح، والاستقامة على منهج أهل السنة والجماعة بمحاربة وجهاد تلك القوانين، والتحذير منها، وكشف عوارها، ومن هؤلاء العلامة المحدث أحمد محمد شاكر في مواضع متفرقه من كتابه الماتع "عمدة التفاسير"، والعلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ في "فتاويه" و"رسالة تحكيم القوانين"، والعلامة محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره "أضواء البيان" والعلاَّمة ابن باز في كتاب "القومية العربية"، والعلامة محمد بن صالح بن عثيمين في شرحه على "كتاب التوحيد"، والعلامة عبد الرزاق عفيفي، والشيخ محمد سليمان الأشقر في كتابه "الشريعة الإلهية لا القوانين الوضعية"، والأستاذ سيد قطب في مؤلفاته.
أما قوله: "إن التجربة المصرية في ربطهما معاً – الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي - حلت المشاكل الفكرية مع الحفاظ علي مبادئ الإسلام:
فقد مر بك أن القانون الوضعي والشريعة الإسلامية متضادان؛ فيستحيل أن يرتبطا سوياً أما زعم: "أنها حلت المشاكل الفكرية"؛ فيبطله الواقع الذي نعيشه، وذلك أن الطوائف الملتزمة دينياً وفكرياً في البلاد التي تطبق فيها تلك القوانين، يطالبون على الدوام بتطبيق أحكام الإسلام، بل أدى التمادي في تطبيق القانون الوضعي - مع عدم الإصغاء إلى الأصوات المنادية بإلغائه - إلى انحرافات فكرية وعملية يعاني الجميع ويلاتها.
أما قوله: "المحكمة الدستورية تراقب الأحكام ومدي مطابقتها للشريعة":
فالظاهر – والعلم عند الله – أن الشيخ لم يرجع - قبل حديثه – إلى رجال القانون فيسألهم عن صحة ما ذكره، وعن طبيعة عمل المحكمة الدستورية! فمن المعلوم أن المحكمة الدستورية أنشئت لمراقبة القوانين ومدى مطابقتها للدستور! ولهذا لما رُفِعَت إليها كثير من القضايا التي يطالب أصحابها بعدم مشروعية قانون العقوبات في القوانين الوضعية لمخالفته للحدود الإسلامية، رفضت الدعوى بحجة أن تلك الحدود كانت قبل دستور 1971 تقصد أن الدستور أتى عليها! وأن المحكمة مختصة في رد القوانين التي تخالف ما ورد في الدستور، ثم ذكرت في الحكم أن هذا الأمر يطلب من المجالس التشريعية؛ لتنظر في تعديل الدستور؛ ليوافق الشرع الإسلامي في الحدود!.
أما قوله: "إن التعايش مع الآخر قاعدة شرعية، ولا ينبغي شرعاً رفض الآخرين، ويجب التعامل مع الآخر علي أنه أخ في الدين، أو نظير في الخلق":
فإنه لم يوجد دين على الإطلاق يحمي حرية الأديان كما حماها الإسلام، ولم توجد أمة وسعت مخالفيها وأفسحت لهم صدورها كما فعل المسلمون؛ انطلاقاً من قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8].
ولكن قوله: ويجب التعامل مع الآخر علي أنه أخ في الدين، أو نظير في الخلق": فالمسلم ليس أخا للكافر في الدين بداهة؛ قال تعالى: {أفنجعل المسلمين كالمجرمين مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} وقوله: أو نظير في الخلق، فإن كان يقصد الحقوق العامة بين البشر من العدل وحسن الخلق وعدم الاعتداء ... ونحو هذا، فلا بأس إلا أن يترتب عليه مساواة في الحقوق والواجبات.
وأما قوله: "إن الجهات الدينية ليست لها سلطة ولا تملك حق الضبطية القضائية لمصادرة أي ورقة تسيء للدين أو مساءلة المخطئ في الدين":
¥