قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره لَيْسَ الْمُرَاد تَرْك الْعَمَل بِالظَّنِّ الَّذِي تُنَاط بِهِ الْأَحْكَام غَالِبًا , بَلْ الْمُرَاد تَرْك تَحْقِيق الظَّنّ الَّذِي يَضُرّ بِالْمَظْنُونِ بِهِ , وَكَذَا مَا يَقَع فِي الْقَلْب بِغَيْرِ دَلِيل , وَذَلِكَ أَنَّ أَوَائِل الظُّنُون إِنَّمَا هِيَ خَوَاطِر لَا يُمْكِن دَفْعهَا , وَمَا لَا يَقْدِر عَلَيْهِ لَا يُكَلَّف بِهِ , وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث " تَجَاوَزَ اللَّه لِلْأُمَّةِ عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسهَا " وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحه. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: الْمُرَاد بِالظَّنِّ هُنَا التُّهْمَة الَّتِي لَا سَبَب لَهَا كَمَنْ يَتَّهِم رَجُلًا بِالْفَاحِشَةِ مِنْ غَيْر أَنْ يَظْهَر عَلَيْهِ مَا يَقْتَضِيهَا , وَلِذَلِكَ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْله " وَلَا تَجَسَّسُوا " وَذَلِكَ أَنَّ الشَّخْص يَقَع لَهُ خَاطِر التُّهْمَة فَيُرِيد أَنْ يَتَحَقَّق فَيَتَجَسَّس وَيَبْحَث وَيَسْتَمِع , فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ , وَهَذَا الْحَدِيث يُوَافِق قَوْله تَعَالَى (اِجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنّ , إِنَّ بَعْض الظَّنّ إِثْم , وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضكُمْ بَعْضًا) فَدَلَّ سِيَاق الْآيَة عَلَى الْأَمْر بِصَوْنِ عِرْض الْمُسْلِم غَايَة الصِّيَانَة لِتَقَدُّمِ النَّهْي عَنْ الْخَوْض فِيهِ بِالظَّنِّ , فَإِنْ قَالَ الظَّانّ أَبْحَثُ لِأَتَحَقَّق , قِيلَ لَهُ (وَلَا تَجَسَّسُوا) فَإِنْ قَالَ تَحَقَّقْت مِنْ غَيْر تَجَسُّس قِيلَ لَهُ (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضكُمْ بَعْضًا) وَقَالَ عِيَاض: اِسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ قَوْم عَلَى مَنْع الْعَمَل فِي الْأَحْكَام بِالِاجْتِهَادِ وَالرَّأْي , وَحَمَلَهُ الْمُحَقِّقُونَ عَلَى ظَنٍّ مُجَرَّد عَنْ الدَّلِيل لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى أَصْل وَلَا تَحْقِيق نَظَرٍ.
-وبهذا كأن ابن كثير رحمه الله, استوعب كل ما قلناه أولاً
من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم,
ومن معانى الكلمة وأصلها واستخدماتها (وجاء فى اللسان أيضاً أن الحاسوس يكون فى الخير
وبالجيم أى الجاسوس يكون فى الشر) ثم استوعب من سبقه من مفسرين
وساق إلينا التفسير مختصراً فى عبارة صغيرة: تحسسوا أى فى الخير
-وهذا منهج كثير من المفسرين الان من المتأخرين
فنجد فى تفسير السعدى رحمه الله, أنه يستوعب مثل هذة الأشياء أولاً
ثم يختار ما تم الاتفاق على صحته, أو أقربهم إلى الصحة ويضعه فى التفسير
وهذا يناسب جداً, طالب العلم فمن دونه من عامة المسلمين,
أحبكم فى الله
السلام عليكم
ـ[الغواص]ــــــــ[02 - 05 - 08, 12:25 م]ـ
جزاكم الله خيرا
ولعلي أحاول ترتيب الكلام وتلخيصه حتى يفهمه أكبر عدد من إخواننا المسلمين
فالتجسس يكون في الخير والشر
والتحسس يكون في الخير والشر
بالنسبة للتجسس:
يكون في الخير مثل جاسوس الحرب وقد كان للرسول أعين .. الخ
ويكون في الشر مثل قوله سبحانه ولا تجسسوا
بالنسبة للتحسس:
يكون في الخير مثل قول يعقوب عليه السلام يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف
يكون في الشر مثل قوله صلى الله عليه وسلم ولا تحسسوا ولا تجسسوا
ونظرا لهذا الإجمال فلا يمكن تفسير التجسس والتحسس في أي نص شرعي إلا بمعرفة سياقه وسببه كمعرفة أهو موجه لتحسين الأخلاق بين المسلمين أم سببه كان حربا ضد عدو .. الخ
فالكلمتان من الوسائل لغيرهما، ولا يمكن معرفة حكم كل منهما إلا بمعرفة حال كل منهما
والله أعلم
ـ[سامي السلمي]ــــــــ[03 - 05 - 08, 06:13 م]ـ
أخي الحبيب الغواص
تلخيص جميل
بارك الله فيك
بقي إشكال و هو هل يمكن أن يكون التجسس في الخير؟
هل هناك من النصوص ما يدل على هذا؟
نعم كان النبي -صلى الله عليه و سلم - يرسل العيون، و لكن هل يسمون جواسيس؟
أسألك أخي الكريم من باب المدراسة فقد يكون عندك دليل، فلعلك تفيدنا.
رضي الله عنك
ـ[الغواص]ــــــــ[09 - 09 - 08, 01:19 ص]ـ
الله يرضى عليك فأسلوبك قل نظيره في الأدب
أما ما يتعلق بسؤالك
فلا أعرف ما يمنع من تسمية الجاسوس بالعين والعين بالجاسوس
وهذا دليل من كتاب لسان العرب:
... والجاسُوسُ العَيْنُ يَتَجَسَّسُ الأَخبار ثم يأْتي بها ...
ـ[أ. د.عبد الفتاح خضر]ــــــــ[10 - 09 - 08, 04:11 م]ـ
مناقشة مفيدة ونافعة أنعم بها من مناقشة فلله دركم.