ومعلوم أن المشهور عند أهل الكلام من عامة الطوائف أنهم يقسمون الصفات إلى صفات فعلية وغير فعلية، مع قول من يقول منهم: إن الأفعال لا تقوم به، فيجعلونه موصوفا بالأفعال، كما يقولون إنه موصوف بأنه خالق ورازق، وعندهم هذه أمور كائنة بعد أن لم تكن، ولما قال لهم من يقول بتسلسل الحوادث من الفلاسفة وغيرهم: الفعل إن كان صفة كمال لزم اتصافه به في الأزل، وإن كان صفة نقص امتنع اتصافه به في الأبد، أجابوا عن ذلك بأن الفعل ليس صفة كمال ولا نقص.
342
ومتنازعون في أن الأمور المتجددة الحادثة هل يمكن تسلسلها ودوامها في الماضي والمستقبل، أو في المستقبل دون الماضي، أو يجب تناهيها وانقطاعها في الماضي والمستقبل؟ على ثلاثة أقوال معروفة.
344
بل نفس الرازي قد ذكر في مواضع من كتبه نقضَ ما ذكره في الأربعين ولم يجب عن ذلك، كما قد حكينا كلامه في موضع آخر
360
وقد ذكر بعض الناس بين الماضي والمستقبل فرقا بمثال ذكره كما ذكره صاحب الإرشاد وغيره وهو أن المستقبل بمنزلة ما إذا قال قائل: لا أعطيك درهما إلا أعطيتك بعده درهما، وهذا كلام صحيح، والماضي بمنزلة أن يقول: لا أعطيك درهما إلا أعطيتك قبله درهما، وهذا كلام متناقض.
374
ولقائل أن يقول: الحجة والاعتراض مبني على أن الصفات اللازمة للحقيقة تنقسم إلى ذاتي وعرضي، كما يقوله من يقوله من أهل المنطق، فإن تقسيم الصفات اللازمة للحقيقة إلى ما هو ذاتي داخل في الحقيقة وما هو عرضي خارج عنها قول لا يقوم عليه دليل، بل / الدليل يقوم على نقيضه، ولهذا لما لم يكن في نفس الأمر بينهما فرق لم يحدد المفرقون بينهما حدا يفصل بينهما، بل ما ذكروه من الضوابط منتقض، كما هو مبسوط في موضعه
390
ولا ريب أن هذه الأمور تلزم المستدلين بدليل الحركة والسكون لزوما لا محيد عنه، وإنما التبس مثلُ هذا لأن الواحد من هؤلاء يبني على المقدمة الصحيحة في موضع ويلتزم ما يناقضها في موضع آخر، فيظهر / من تناقض أقوالهم ما يبين فسادها، لكن قد يكون ما أثبتوه في أحد الموضعين صحيحا متفقا عليه، فلا ينازعهم الناس فيه ولا في مقدماته، وقد تكون المقدمات فيها ضعف، لكن لكون النتيجة صحيحة يتساهل الناس في تسليم مقدماتها، وإنما يقع تحرير المقدمات والنزاع فيها إذا كانت النتيجة مورد نزاع.
[انتهت الفوائد المنتقاة من المجلد الثاني بحمد الله]
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[15 - 01 - 09, 03:08 م]ـ
[المجلد الثالث]
10
فليس كل حكم ثبت للذوات يحتاج إلى علة، إذ ذلك يفضي إلى تسلسل العلل وهو باطل باتفاق العلماء
11
وإنما أثبت ممكنا ليس بحادث طائفة من متأخري الفلاسفة كابن سينا والرازي فلزمهم إشكالات لا محيص عنها – مع أنهم في كتبهم المنطقية يوافقون أرسطو وسلفهم – وهو أن الممكن الذي يقبل الوجود والعدم لا يكون إلا حادثا. وقد أنكر ابن رشد قولهم بأن الشيء الممكن الذي يقبل الوجود والعدم يكون قديما أزليا، وقال: لم يقل بهذا أحد من الفلاسفة قبل ابن سينا.
قلت: وابن سينا ذكر في الشفاء في مواضع أن الممكن الذي يقبل الوجود والعدم لا يكون إلا حادثا، فتناقض في ذلك تناقضا مبسوطا في غير هذا الموضع.
15
كما يقال لمن عمل مثل ما يعمل غيره: هذا عمل فلان بعينه، فالمقصود أنه ذلك النوع بعينه، ليس المقصود أنه ذلك العمل المشخص الذي قام بذات ذلك الفاعل فإنه مخالف للحس
17
وقد ذكرنا مثل هذا في غير موضع، وبينا أن لفظ الجزء والغير والافتقار والتركيب ألفاظ مجملة موهوا بها على الناس، فإذا فسر مرادهم بها ظهر فساده
21
ومن قال من متكلمة أهل السنة: إن الصفات زائدة على الذات فتحقيق قوله أنها زائدة على ما أثبته المنازعون من الذات، فإنهم أثبتوا ذاتا مجردة عن الصفات، ونحن نثبت صفاتها زائدة على ما أثبوته هم، لا أنا نجعل في الخارج ذاتا قائمة بنفسها ونجعل الصفات زائدة عليها، فإن الحي الذي يمتنع أن لا يكون إلا حيا كيف تكون له ذات مجردة عن الحياة؟ وكذلك ما لا يكون إلا عليما قديرا كيف تكون ذاته مجردة عن العلم والقدرة؟
¥