هذا الذي ذكره أبو المعالي من إنكار القياس في المعقولات وافقه عليه طائفة من المتأخرين كأبي حامد والرازي وأبي محمد المقدسي، وقالوا: قياس التمثيل إنما يكون في الشرعيات. والمنطقيون قد يدعون أن قياس التمثيل في العقليات إنما يفيد الظن، وأما جمهور العقلاء فعلى أنه لا فرق بين قياس الشمول وقياس التمثيل في إفادة العلم والظن، فإن ما يجعل في قياس الشمول حدا أوسط يجعل في قياس التمثيل مناط الحكم، ويسمى العلة والوصف والمشترك.
153
حتى قال أبو البقاء العكبري لمن قرأ عليه كتاب (البرهان): هذا النقل ليس بصحيح عن مذهب الإمام أحمد، وهو كما قال، فإن أحمد لم ينه عن نظر في دليل عقلي صحيح يفضي إلى المطلوب، بل في كلامه في أصول الدين في الرد على الجهمية وغيرهم من الاحتجاج بالأدلة العقلية / على فساد قول المخالفين للسنة ما هو معروف في كتبه وعند أصحابه.
ولكن أحمد ذم من الكلام البدعي ما ذمه سائر الأئمة وهو الكلام المخالف للكتاب والسنة والكلام في الله ودينه بغير علم.
157
وأبو عمر من أعلم الناس بالآثار والتمييز بين صحيحها وسقيمها.
163
[الغزالي] وأما منفعته [الكلام] فقد يُظن أن فائدته كشف الحقائق ومعرفتها على ما هي عليه، وهيهات، فليس في الكلام وفاء بهذا المطلب الشريف، وهذا إذا سمعته من محدث أو حشوي ربما خطر ببالك أن الناس أعداء ما جهلوا، فاسمع هذا ممن خبر الكلام ثم قلاه بعد حقيقة الخبرة، وبعد التغلغل فيه إلى منتهى درجة المتكلمين، وجاوز ذلك إلى التعمق في علوم أخرى سوى نوع الكلام، وتحقق أن الطريق إلى حقائق المعرفة من هذا الوجه مسدود.
[نقل نفيس جدا عن الغزالي]
167
والمناظرة المحمود نوعان والمذمومة نوعان
171
ولكن ليس كل من عرف الحق إما بضرورة أو بنظر أمكنه أن يحتج على من ينازعه بحجة تهديه أو تقطعه، فإن ما به يعرف الإنسان الحق نوع وما به يعرّفه [يعرّف] به غيره نوع، وليس كل ما عرفه الإنسان أمكنه تعريف غيره به، فلهذا كان النظر أوسع من المناظرة، فكل ما يمكن المناظرة به يمكن النظر فيه، وليس كل ما يمكن النظر فيه يمكن مناظرة كل أحد به.
174
ومنشأ الباطل من نقص العلم أو سوء القصد، كما قال تعالى: {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس} ومنشأ الحق من معرفة الحق والمحبة له
209
[الأشعري] من قِبَل أن الأعراض لا يصح الاستدلال بها إلا بعد رتب كثيرة يطول الخلاف فيها ويدق الكلام عليها
213
[الأشعري] ولذلك كان أحدهم يرحل إلى البلاد البعيدة في طلب الكلمة تبلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرصا على معرفة الحق من وجهه وطلبا للأدلة الصحيحة فيه حتى تثلج صدورهم بما يعتقدونه وتسكن نفوسهم إلى ما يتدينون به ويفارقوا بذلك من ذمه الله في تقليده لمن يعظمه من سادته بغير دلالة تقتضي ذلك.
232
وأنه على هذا التقدير لا يُنفى [الصواب لا يبقى] لهم دليل على إثبات واجب الوجود
233
والهيولى في لغتهم معناه المحل، وتصرفهم فيه بحسب عرفهم الخاص، كتصرف متكلمي العرب في اللغة المعرَّبة
235
فبحث الأشعري مع المعتزلة في هذه الطريقة من جنس بحوثه / معهم في غير ذلك من أصولهم، فإنه يبين تناقضهم ويلزمهم فيما نفوه نظير ما يلزمونه لأهل الإثبات فيما أثبتوه، فيستفاد من مناظرته لهم معرفة فساد كثير من أصولهم، ولكن سلم لهم أصولا وافقهم عليها، مثل تسليمه لهم صحة طريق الأعراض مع طولها، ومثل إثباته للصانع بهذه الطريق التي هي من جنسها، وبنى ذلك على إثبات الجوهر الفرد فلزم من تسليمه ذلك لهم لوازم أراد أن يجمع بينها وبين ما أثبته من الرؤية وإثبات الكلام والصفات والعلو لله تعالى، فقال جمهور طوائف العقلاء من أهل السنة والحديث وغيرهم ومن المعتزلة والفلاسفة غيرهم: إن هذه مناقضة مخالفة لصريح المعقول.
237
وجاء كثير من أتباعه المتأخرين كأتباع صاحب الإرشاد فأعطوا الأصول التي سلمها للمعتزلة حقها من اللوازم فوافقوا المعتزلة على موجبها وخالفوا شيخهم أبا الحسن وأئمة أصحابه فنفوا الصفات الخبرية ونفوا العلو، وفسروا الرؤية بمزيد علم لا ينازعهم فيه المعتزلة، وقالوا: ليس بيننا وبين المعتزلة خلاف في المعنى، وإنما خلافهم مع المجسمة، وكذلك قالوا في القرآن إنه القرآن الذي قالت المعتزلة إنه مخلوق نحن نوافقهم على خلقه، ولكن ندعي ثبوت معنى آخر وأنه واحد قديم.
240
فموافقتي للسلف والأئمة في إثبات الرؤية والعلو والمباينة مع موافقتي للكتاب والسنة أولى من موافقتك على هذه المقدمة، وهي امتناع وجود ما لا يتناهى، فإن هذه المقدمة لكل طائفة فيها قولان، فللفلاسفة فيها قولان، وللمعتزلة فيها قولان، وللأشعرية فيها قولان، ولأهل السنة والحديث والفقه قولان.
وأكثر العقلاء على جواز وجود ما لا يتناهى في الجملة، لكن منهم / من يجوز ذلك في الماضي كما يجوزه في المستقبل، ومنهم من يجوزه في المستقبل دون الماضي، والأدلة الدالة على امتناع ذلك قد عرف ضعفها.
249
وروى [ابن عساكر] عن الشافعي قال: ما ناظرت أحدا أحببت أن يخطئ إلا صاحب بدعة، فإني أحب أن ينكشف أمره للناس.
250
وأهل المقالات متفقون على أن حفصا لم يكن من نفاة القدر بل من / مثبتيه، وقد ظن البيهقي وغيره أنه إنما ذم مذهب القدرية
255
قال الحسين [بن الفضل البجلي]: فأعلمته [زهير بن حرب] ما يجب من القول، وقلت له: قد كان المكي [عبد العزيز الكناني صاحب الحيدة] يختلف إليكم ويقول لكم إني أعلم من هذا الباب ما لا تعلمون، فتعلموا ذلك مني فتحملكم الرياسة على ترك ذلك، ويقول لكم: يكون لكم ما تعلمتموه مني عدة تعتدونها لأعدائكم، فإن هجموا لم تحتاجوا إلى طلب العدة وإن لم يحضركم الأعداء لم يضركم الإعداد للعدة / فتأبون ذلك والحجة في هذا الباب كيت وكيت.
فقال: والله لوددت أني كنت أعلم هذا كما تعلمه يوم دخلت على المأمون وأن ثلث روايتي ساقطة عني
[هذا فيه بيان أن ذم السلف للكلام لا يشمل النظر الصحيح في العقليات]
¥