فأبو بكر ـ عند العقاد ـ أُعْجِب ببطولة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولذا آمن به (3)، وأبو بكر ـ عند العقاد ـ سيَّر جيش أسامة بعد وفاة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وقاتل المرتدين، وكان على هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كل شيء، لأنه مُعجب ببطولة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، أو ـ كما يقول العقاد ـ لأنها أوامر بطله العزيز عليه (4)!!
لا يرى عباس أثراً للعقيدة في حياة الصِّديق ـ رضي الله عنه ـ، ويتكلم من عند نفسه، يضرب بالأدلة عرض الحائط، ويقدم وجهة نظره التي لا دليل عليها، ولا يناقش العقاد أدلة المخالفين ولا يهتم.
أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ عاش قريباً من أربعين عاماً قبل البعثة نسياً منسياً، ولولا الله ما اهتدى ولا صام ولا صلى، ولمات كما ماتت ألوف من قومه لا يسمع بهم أحد. والله يقول: {لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} النور46
والله يقول: { .. وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} النور21
والله يقول: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ {2} وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {3} ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ {4}
فكله من فضل الله علينا ابتداءً وسيراً وختاماً، وفي الحديث (وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا، وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا) (5)
السيدة عائشة رضي الله عنها
قدَّم للحديث عن السيدة عائشة بنت الصديق ـ رضي الله عنهما ـ بحديثٍ طويلٍ يتكلم فيه عن حال المرأة في الجزيرة العربية قبل الإسلام وخاصة النساء اللاتي في بيوت سادة العرب، يقول كانت تستشار، واستشهد بحالتين تستشار كل منهما فقط في أمر زواجها، ينقل عن كتب الأدب، وعِلْمي أن ليس في كتب الأدب غير هاتين الحالتين (6). ثم ينثني بعد ذلك على بيت أبي بكر الصديق في الجاهلية فيقول: بيتُ سيادةٍ متحضر، رجاله رقاق القلوب يهيمون بنسائهم، ونساءهم حسناوات منعمات أو كما يقول هو واصفاً بيتَ أبي بكر ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ (ظرف الرجال وتدليل النساء) ويستدل بعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الرحمن بن أبي بكر كان حازماً لا مُرِبٍّ بعرسه ـ كما يصوره العقاد ـ طلَّق زوجته وحملها إلى أهلها حين رأى من نفسه شدةَ ميلٍ لها، والعقاد يعرف ذلك (7).!!
ثم يبني على ذلك فيقول بأن هذه النشأة ـ في بيوت السيادة والشرف ـ جعلت لها شخصية قابلة للمشورة وللمشاركة في الأمور العامة، ويصورها بأنها كانت (سيدة المجتمع الأولى)، فقد كانت للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (سفيرته الأولى لعالم النساء في عصره وفيما يليه من العصور، فكانت تحضره إذا بايع النساء أو صلى بهن أو جلسن إليه يسألنه في أمور الدين) (8)
وهذا الكلام غير صحيح. ما بنى عليه العقّاد غير صحيح، وبالتالي ما استنبطه العقَّاد غير صحيح.خطئ في الدلالة وخطئ في الاستدلال.
أبو بكر الصديق من بني تَيْمِ بن مُرَّةٍ، وبنو تيم بن مرة هم أضعف قريش نسباً وأقلهم حسباً فكانوا بين قريش في الجاهلية لا يفاخرون بغير بن جدعان، وهو صعلوكٌ مطرود عثر على كنز فراح ينفق أمواله فيما كانت العرب تفاخر به وهو إطعام الطعام ليخلد في الناس ذكره. واجتمع حوله عدد من الجياع ممن ينظمون الشعر يمدحوه إن أطعمهم ويذموه إن أطعموا ما هو أشهى (البر بالشهاد) عند غيره، فشاع بين الناس ذكره. وكله من فخر الجاهلية، ومشهورٌ قولَ أبي سفيان يوم بويع أبا بكرٍ بالخلافة (ما بال هذا الأمر في أقل قريش قلة وأذلها ذلة) (9)، ومشهورٌ أيضا قول أبي قحافة (أبو الصديق) يوم بويع أبا بكر بالخلافة: هل رضيت بذلك بنو عبد مناف وبنو المغيرة؟ قالوا: نعم، فقال: لا واضع لما رفعت، ولا رافع لما وضعت (10)، فهو يشي إلى موضوعٍ رُفع، ومرفوعٍ وضع. والرجل حديث
¥