عهد بإيمان.
وحال بني تيم بن مرة في الجاهلية معروفٌ في كتب الأنساب وكتب السيرة وكتب الحديث، فكيف حاد عنها العقاد وقد مر عليها أكثر من مرة؟!
ولم يكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستشير السيدة عائشة في شأنه كله، بل ولا استشار السيدة أم سلمة يوم الحديبية كما هو مشهورٌ بين الناس، وإنما دخل خيمته وهي ـ رضي الله عنها ـ فيها وتحدث إليها حديث المدهش المأخوذ بما رأى من الناس وقد أمرهم فتباطئوا، فسمعت قوله وعرضت عليه رأياً فأخذ به. فلم يكن الحال هو المشورة وإنما حديث العفو، ولم يكن الحال أن تعقد مجالس الشورى بالنساء، لا في الجاهلية ولا في الإسلام، بل كانوا يأنفون من ذلك، وشاعرهم يقول مفاخراً بنفسه:
وَلا جَبأَ أَكهى مُرِبٍّ بِعِرسِهِ يُطالِعُها في شَأنِهِ كَيفَ يَفعَلُ (11)
ولم يكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يفرد النساء بصلوات دون الرجال، ولا بمجلسٍ دون الرجال، يجلسن بين يديه أو يجلس إليهن مصطحباً السيدة عائشة أو أخرى من نسائه لم يكن يحدث هذا. فقط يأتين لبيته يسألن نسائه أو يسألنه في حضرة نسائه كالتي جاءت تجادل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في فراق زوجها بعد أن جعل ظهر أمه كظهرها (12).
وما كان له ـ صلى الله عليه وسلم ـ سفيرة أولى ولا ثانية لعالم النساء.بالمعنى المعروف المتبادر للذهن من السفارة (13).
وكانت أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ تُحَدِّثُ بما علمت من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ النساءَ والرجالَ، بل وأكثر من روى عنها هو ابن أختها عروة بن الزبير ـ رضي الله عنه ـ. فلم تكن بين النساء فقط بما يشبه اليوم الجمعيات النسائية، وبما تصوره كلمات العقاد، كان مجتمعاً واحداً متكاملاً، النساء في البيوت شريفات مصونات يقمن بما خلقهن الله له من تربية الأولاد والقيام بحق الزوج، والرجال بالخارج يضربون في الأرض دعوة إلى الله وسعياً على الرزق.
وما كانت تفعله السيدة عائشة ـ رضي الله عنه ـ في بيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من غيرةٍ عليه، وأشياءٍ أقرب للفكاهة منها للجد بينها وبين أمهات المؤمنين، مرجعها لصغر السن، لا لأنها ولدت في بيت من بيوت سادات العرب فصبَّ عليها الدلال والجمال وأتاها العقل ولزم من يتزوجها أن يشاورها ولا يقطع أمراً دونها!!.
لو كان مرجع الأمر لبيت أبيها الذي نشأت فيه، لكان أولى منها السيدة أم حبيبة بنتُ سيد قريش أبي سفيان بن حرب، أو الحلوة المليحة التي تأخذ بنفس من يراها (14) .. الصوَّامة القوامة (15) بنت سيدِ قومها جويرة بنت الحارث أم المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ؛ وكذا بنت سيد قومها صفية ـ رضي الله عنها ـ زوجها نبي وعمها نبي وأبوها نبي ـ عليهم الصلاة والسلام (16) ـ.
فلم يكن الأمر متعلق بالبيت الذي نشأت فيه السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ وإلا ما كانت وحدها، وإنما بصغر السن، وقد صرحت هي بذلك كما في روايتها لوفاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (17).
ولم تكن السيدة عائشة ـ رضي الله عنها تشارك في الأمور العامة للدولة، فلم تكن ـ هي وغيرها من النساء جميعاً ـ من أصحاب الشورى. وما شاركت في الأمور العامة، وخرجت يوم الجمل للصلح بين الناس كما تفعل الأم مع أبنائها. والأحداث توالت ولم يكن هناك من يعد لها ويخطط، بل ولا من يتوقعها، وبقيت بعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم أكثر من نصف قرن من الزمان تعبد ربها في بيتها وتحدث الناس بما سمعت ورأت في بيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإن قصدها أحد المؤمنين بشيء شفعت له، وهي في بيتها، وهي حالات قليلة جداً.
وما رفعت أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ النعل على عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ كما يفتري العقاد. فلا هي مَن ترفع النعل على أحد، ولا هو (عثمان رضي الله عنه) من يُرفع عليه النعل مِن أحد، وإنما هو (عباس العقاد) وخليلاته (هند رستم ومديحة يسري ومي زياده و [سارة]) من يَفعل ويُفعل به مثل هذا.
مثال آخر لدلالة على فساد منهج العقاد في الاستدلال، وعلى قوله بأن لا أثر للعقيدة في حياة الناس.
عثمان بن عفان
¥